(الَّذِينَ كَفَرُوا): قريش. قال بعضهم لبعض:(هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلى رَجُلٍ) يعنون محمدا صلى الله عليه وسلم؛ يحدثكم بأعجوبة من الأعاجيب: أنكم تبعثون وتنشئون خلقًا جديدًا بعد أن تكونوا رفاتًا وترابًا، ويمزق أجسادكم البلى (كل ممزق)، أى: يفرقكم ويبدد أجزاءكم كل تبديد. أهو مفتٍر على الله كذبًا فيما ينسب إليه من ذلك؟ أم به جنون
{لِّيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} الآية، على منوالِ قولهِ:{أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ}، وكقوله:{إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا} إلى قوله: {لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ}[يونس: ٤]، وقد وضع {وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ} موضعَ ضميرِ الذينَ كَفروا، لأنّ المعنى: ليأتينَّكم عالِمُ الغيْبِ ليُثيبَ المُؤمنين ويُعاقبَكم أيها الساعونَ في إبطالِ آياتِنا سَعيًا بليغًا، وفيه إشعارٌ بأنَّ منكرَ الحشرِ مكذِّبٌ لله وآياتِه المنزلةِ، ولذلك وردَ:((كَذّبني ابنُ آدمَ ولم يكُنْ له ذلك))، وأنه مستحقٌّ بأن يُنكَّلَ بما لا بَعْدَه من العذابِ والرِّجْزِ الأليم، أعاذنا الله من ذلك.
قولُه:(يُحدّثكم بأعجوبةٍ من الأعاجيب)، دلّ على هذا المعنى تَسْميتُه صلواتُ الله عليه بـ ((رجلٍ)) وتنكيرُه؛ جعلوا القولَ بالإعادةِ من قَبيلِ شيءٍ غريبٍ وأمرٍ عجيب، ونَزّلوا قائلَه مَنْزِلةَ مَنْ لا يُعْرَف. قال صاحبُ ((المفتاح)): كأنّهم لم يكونوا يعرِفونَ منه إلاّ أنّه رجُلٌ ما، وهو أشْهَرُ عندهم من الشمسِ، وهو من باب التجاهل.
قولُه:(أهو مُفْتَرٍ) إلى قوله: (أم به جنون)، ((أم)) هذه يحتملُ أن تكونَ متّصلةً وأن تكونَ منقطعة. وعلى الأولِ ظاهرُ كلامِ الجاحظِ على ما رويَ أنّه احتجَّ بهذه الآيةِ على أنّ من الخبرِ