المعجمة ترجعُ إلى هذا المعنى لأنها فُرِّغَتْ من الفَزَع. قال الزجّاج: وتفسيرُ هذا: أنّ جبريلَ عليه السلام لما نزل إلى النبي صلى الله عليه وسلم بالوحِي ظَنَّتِ الملائكةُ أنه أنزل بشيء من أمرِ الساعة، ففَزِعت لذلك، فلما انكشَفَ عنها الفَزعُ قالوا: ماذا قال ربكم؟ سألَتْ: لأيِّ شيءٍ نزلَ جبريل؟ قالوا: الحقَّ. تَمَّ كلامه، وعليه كلامٌ أكثر المفسرين.
ويعضُدُه ما روَيْناه عن البخاريِّ والترمذيِّ وابنِ ماجه عن أبي هريرة: أنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا قضى الله الأمرَ في السماءِ ضربَت الملائكةُ أجنحتَها خُضعانًا لقولِه، كأنه سِلسلةٌ على صَفوانٍ، فإذا فُزع عن قلوبهم قالوا: ماذا قال ربّكم؟ قال الذي قال: الحق وهو العليُّ الكبير)).
وعن أبي داودَ عن ابن مسعود قال: إذا تكلَّم الله عز وجل بالوَحْيِ سَمِعَ أهلُ السماء صَلْصلةً كجَرِّ السلسلةِ على الصَّفا، فيُصْعَقون، فلا يزالون كذلك حتى يأتيَهم جبريلُ، فإذا جاء جبريلُ فُزِّعَ عن قلوبهم، فيقولونَ: يا جبريلُ ماذا قال ربُّكم؟ فيقول: الحق، فيقولون: الحقَّ الحقّ.
فإن قلتَ: قد ظهرَ من هذه الرواياتِ أنّ الموصوفينَ بهذه الصفاتِ هم الملائكةُ، والذي ذهب إليه المصنِّف هم الشفعاءُ مُطلقًا، وأن هذه الحالةَ واقعةٌ يوْمَ القيامة لقولِه:{يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا}[النبأ: ٣٨]، فإذَنْ ما معنى الغايةِ في ((حتى))، وما وَجْهُ انطباقِه على الأحاديث الصحيحة؟
قلت -والله أعلم-: يُستخرَجُ معنى المُغَيَّا من المفهوم؛ وذلك أن المشركينَ لما ادّعَوا شفاعةَ الآلهةِ والملائِكة وأجيبوا بقَوْله:{قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِهِ}{لاَّ يَمْلِكُونَ الْشَّفَاعَةَ}، ومعناه ما قال المصنف: قل لمَشركي مكّة: ادعوا الذين عبَدْتُم من دونِ الله