للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فما بال هؤلاء؟ وقرئ: (يدرّسونها) من التدريس، وهو تكرير الدرس. أو من درّس الكتاب، ودرّس الكتب: و (يدّرسونها)، بتشديد الدال: يفتعلون من الدرس. والمعشار كالمرباع، وهما: العشر والربع. فإن قلت: فما معنى: (فَكَذَّبُوا رُسُلِي) وهو مستغنى عنه بقوله: (وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ)؟ قلت: لما كان معنى قوله: (وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ): وفعل الذين من قبلهم التكذيب وأقدموا عليه؛ جعل تكذيب الرسل مسببًا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

منزلة القولِ ادّعاءً نَحْوَ قولِه:

تَحِيّةُ بينِهم ضَرْبٌ وجيع

قوله: (وقرئ: ((يُدرِّسونها) من التدريس) قال ابن جني: وهي قراءة أبي حَيْوَة، وهو أقوى معنًى من {يَدْرُسُونَهَا} لأن افتعل بزيادة التاء أقوى من فعل، كما أن قوله: {أَخْذَ عَزِيزٍ مُّقْتَدِرٍ} [القمر: ٤٢] أقوى من: قادر.

قوله: (وأقدموا عليه)، يعني: هو من أسلوبِ قوله: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا} [المائدة: ٦]، فعلى هذا قوله: {وَمَا بَلَغُوا مِعْشَارَ مَا آتَيْنَاهُمْ} جملة معترضة، لأن المراد منهم المشركون، فقُدم اهتمامًا وإيذانًا بأن إيرادَ هذا الكلام سبَبُه هؤلاء المكذّبون تهديدًا ووعيدًا، ويجوز أن لا تكون معترضةً، بل يكون قوله: {وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ} توطئة وتمهيدًا لقوله: {وَمَا بَلَغُوا}، وينعطف قوله: {فَكَذَّبُوا} على {وَمَا بَلَغُوا} أي: وما بلغ هؤلاء المكذبون مِعْشارَ ما آتينا أولئك المكذبين السابقين من طول الأعمار وقوة الأجرام وكثرة الأموال، فكيف أقدموا على كفر أعظم وتكذيب أبلغ من أولئك، فكذبوا سيد الرسل لدلالة جميع الرسل، كقوله تعالى: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً} [النحل: ١٢٠] ويجوز أن يكون من قبيل قوله: {وَقَوْمَ نُوحٍ لَّمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ} [الفرقان: ٣٧] وإنما كذبوه وحده لأن الرسالة وصف جامع، فيلزم من تكذيبه تكذيبهم، وهذا الوجه أحسن من الاعتراض وأبلغ وللمقصود أدعى.

<<  <  ج: ص:  >  >>