وما آتيناهم كتبًا يدرسونها فيها برهان على صحة الشرك، ولا أرسلنا إليهم نذيرًا ينذرهم بالعقاب إن لم يشركوا، كما قال عز وجل:(أَمْ أَنْزَلْنا عَلَيْهِمْ سُلْطاناً فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِما كانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ)] الروم: ٣٥ [. أو وصفهم بأنهم قوم أمّيون أهل جاهلية، لا ملة لهم وليس لهم، عهد بإنزال كتاب ولا بعثة رسول، كما قال:(أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً مِنْ قَبْلِهِ فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ)] الزخرف: ٢١ [فليس لتكذيبهم وجه متشبث، ولا شبهة متعلق، كما يقول أهل الكتاب وإن كانوا مبطلين: نحن أهل كتب وشرائع، ومستندون إلى رسل من رسل الله. ثم توعدهم على تكذيبهم بقوله:(وَكَذَّبَ الَّذِينَ) تقدّموهم من الأمم والقرون الخالية كما كذبوا، وما بلغ هؤلاء بعض ما آتينا أولئك من طول الأعمار، وقوّة الأجرام، وكثرة الأموال، فحين كذبوا رسلهم جاءهم إنكارى بالتدمير والاستئصال، ولم يغن عنهم استظهارهم بما هم به مستظهرون،
قوله:(أو وصَفَهم بأنهم قومٌ أمِّيُّون)، عطف على قوله:(({وَمَا آتَيْنَاهُم مِّن كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا} فيها برهان)) من حيث المعنى.
اعلم أن وَصْفَ كُتبٍ بقوله:{يَدْرُسُونَهَ} يمكن أن يكون من قولك: ما عندي كتاب يقرأ، فهو نفي القراءة وحدها وأن عنده كتابًا إلا أنه لا يقرأ، أو نفيهما جميعًا وأن لا كتاب عنده ولا كونه مقروءًا، والوجهان اللذان قَرَّرهما من القبيل الثاني.
صَرَّح القاضي به حيث قال: فحينَ كَذّبوا رُسلي جاءهم إنكاري بالتدمير فكيف كان نكيري فليحذر هؤلاء من مثله فتكونُ الفاء في {فَكَيْفَ} فصيحةً لأنها تقتضي هذا المقدَّر، والنكير والإنكارُ وتغييرُ المُنكر، ويجوز أن يُجعَل العذابُ من جنس الإنكار تنزيلا للفعل