أهتدى لها، كقوله تعالى:(مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها)] فصلت: ٤٦ [، (فمن اهتدى فلنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها)] الزمر: ٤١ [، أو يقال: فإنما أضل بنفسي؟ قلت: هما متقابلان من جهة المعنى؛ لأنّ النفس كل ما عليها فهو بها، أعنى: أن كل ما هو وبال عليها، وضار لها فهو بها وبسببها: لأن الأمّارة بالسوء، وما لها مما ينفعها فبهداية ربها وتوفيقه، وهذا حكم عامّ لكل مكلف، وإنما أمر رسوله صلى الله عليه وسلم
قوله:(أو يقال: فإنما أضل بنفسي)، يريد: أن التقابل الحقيقي هو أن يقابل ((على)) باللام كقوله تعالى: {لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ}[البقرة: ٢٨٦] أو يُطابقَ بين البابَيْن ليكونَ المعنى: إن ضلَلْتُ فإنّما أضلُّ بسَببِ نفسي، فإن اهتَديتُ فإنّما أهتَدي بتَسديدِ الله بسَببِ وَحْيٍ يُنَزِّلُه عليّ.
وتلخيصُ الجوابِ: أن المقصودَ أن يكون الكلام جامعًا لهذين المعنيين مع سلوكِ طريق الاختصار. والمعنى: أن ما على النفس من الوبال هو بسببها، وأنَّ مالها من النفع هو بسبب الله، فدل لفظ ((على)) في القرينة الأولى على معنى اللام في الثانية، والباءُ في القرينة الثانية على معنى السببية في الأولى، فإذن التقدير: قل إن ضللت فإنما أضل بسبب نفسي، وإن اهتديت فإنما أهتدي لنفسي بعون الله وبتوفيقه، فقوله:((لأنّ النفسَ كلُّ ما عليها فهو بها)) تعليل لصحة تقدير الباء في القرينة الأولى، وقوله:((وما لها مما ينفعها فبهداية ربها)) تعليل لاستقامة تقدير ((لها)) في الثانية، انظر إلى هذا النظر الدقيق.
قوله:(وهذا حكم عام لكل مكلف)، وإنما أمر رسوله أن يسنده إلى نفسه لأنه إذا دخل تحته كان غيره أولى. وقال الإمام: فيه إشارةٌ إلى أنّ ضلالَ نفسي كضلالِكم لأنه صادرٌ من نفسي ووبالُه على نفسي، وأما اهتدائي فليس كاهتدائِكم بالنظرِ والاستدلالِ، وإنما هو بالوَحْيِ المنير.
وقلت: هذا البيانُ يدلُّ على أنّ دَليل النقلِ أعلى وأفخَمُ من دليلِ العقل. وقال مُحيي