الآخرة، وذاك مطلب مستبعد بمن يقذف شيئًا من مكاٍن بعيٍد لا مجال للظن في لحوقه؛ حيث يريد أن يقع فيه لكونه غائبًا عنه شاحطًا. والغيب: الشيء الغائب. ويجوز أن يكون الضمير للعذاب الشديد في قوله:(بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ) وكانوا يقولون: (وما نحن بمعذبين)] سبأ: ٣٥ [، إن كان الامر كما تصفون من قيام الساعة والعقاب والثواب، ونحن أكرم على الله من أن يعذبنا، قائسين أمر الآخرة على أمر الدنيا؛ فهذا كان قذفهم بالغيب، وهو غيب ومقذوف به من جهة بعيدة؛ لأن دار الجزاء لا تنقاس على دار التكليف.
(ما يَشْتَهُونَ) من نفع الإيمان يومئذ والنجاة به من النار والفوز بالجنة، أو من الردّ إلى الدنيا، كما حكى عنهم:(فَارْجِعْنا نَعْمَلْ صالِحاً)] السجدة: ١٢ [.
(بِأَشْياعِهِمْ): بأشباههم من كفرة الأمم ومن كان مذهبه مذهبهم. (مُرِيبٍ): إما من أرابه، إذا أوقعه في الريبة والتهمة. أو من أراب الرجل، إذا صار ذا ريبةٍ ودخل فيها، وكلاهما مجاز؛ إلا أنّ بينهما فريقًا وهو أنّ المريب من الأول منقول ممن يصح أن يكون مريبًا من الأعيان إلى المعنى، والمريب من الثاني منقول من صاحب الشك إلى الشك، كما تقول: شعر شاعر.
ويرومون ما حصولُه أبعد، وإليه الإشارة بقوله:((مثَّلَهُم في طلبِهم)) إلى قوله: ((بمَن يقذِفُ شيئًا مِن مكان بعيدٍ)) وهو اتسعارةٌ تمثيلية.
قوله:(ويجوزُ أن يكونَ الضمير)، عَطْفٌ على قوله:((آمنّا بمحمد صلى الله عليه وسلم))، يعني الضميرُ إما راجعٌ إلى عذابٍ شديدٍ في قوله تعالى:{ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُم مِّن جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَّكُم بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ} أو إلى صاحبكم.
قولهُ:(مُريبًا)، وذلك أنّ المُريبَ صِفةٌ للعاقلِ، لا يصحُّ وصْفُ الشكِّ به، فإمّا أن يُجْعلَ الشكّ كالإنسانِ على الاستعارةِ المكنية، ثم يُنْسَبَ إليه ما هو من خَواصِّ الإنسان