بلغ قريشًا قبل مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أنّ أهل الكتاب كذبوا رسلهم، فقالوا: لعن الله اليهود والنصارى أتتهم الرسل فكذبوهم، فو الله لئن أتانا رسوٌل لنكونن أهدى من إحدى الأمم، فلما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم كذبوه. وفي (إِحْدَى الْأُمَمِ) وجهان؛ أحدهما: من بعض الأمم، ومن واحدةٍ من الأمم من اليهود والنصارى وغيرهم. والثاني: من الأمّة التي يقال لها إحدى الأمم؛ تفضيلًا لها على غيرها في الهدى والاستقامة. (ما زادَهُمْ) إسناد مجازى؛ لأنه هو السبب في أن زادوا أنفسهم نفورًا عن الحق وابتعادًا عنه، كقوله:(فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ)] التوبة: ١٢٥ [. (اسْتِكْباراً) بدل من (نفورا)، أو مفعول له، على معنى: فما زادهم إلا أن نفروا استكبارًا وعلوًّا فِي الْأَرْضِ، أو حال بمعنى: مستكبرين وماكرين برسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين. ويجوز أن يكون (وَمَكْرَ السَّيِّئِ) معطوفًا على نفورًا فإن قلت: فما وجه قوله: (وَمَكْرَ السَّيِّئِ)؟ قلت: أصله: وأن مكروا السيئ، أى المكر السيئ، ثم ومكرا
قولُه:(من الأمةِ التي يقال لها إحدى الأمم)، هذا كما يقال: واحدُ القومِ وأوحَدُ العصر، أي: أفضَلُهم.
الأساس: وهو واحدُ قومِه وأوحَدُهُم، وهو واحدُ أُمّه، وفلانٌ وَحدٌ وَوحيدٌ، واستوحَدَ: انفرد، وأوحَدَ الله فلانًا: جَعَله بلا نَظير، وعن بعضِهم: تقولُ العربُ للداهيةِ العظيمة: هي إحدى الإحَد، وإحدى من سبع، أي: إحدى ليالي عادٍ في الشدَّة.
قولُه:(أصلُه: وأن مكَروا السيّء، أي: المَكْرَ السيء)، قالَ مَكّي: هو من إضافةِ الموصوفِ إلى الصفةِ تقديرُه: ومكَروا المكْرَ السيءَ، ودليلُه قولُه بعد ذلك:{وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ} فـ ((مَكْرَ السَّيِّئ)) انتصبَ على المصدرِ ثم أُضيفَ إلى نَعْتِه اتساعًا، كصلاةِ الأولى ومسجد الجامع. وفي ((التيسير)): نحوهُ إضافة الحق إلى اليقين، ووصفه بالسيء؛ لأنه كانَ