وذلك لاستثقاله الحركات مع الياء والهمزة، ولعله اختلس فظنّ سكونًا، أو وقف وقفةً خفيفة، ثم ابتدأ (وَلا يَحِيقُ). وقرأ ابن مسعود:(ومكرا سيئا). (سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ): إنزال العذاب على الذين كذبوا برسلهم من الأمم قبلهم، وجعل استقبالهم لذلك انتظارًا له منهم، وبين أنّ عادته التي هي الانتقام من مكذبي الرسل عادة لا يبدلها ولا يحولها، أى: لا يغيرها؛ وأنّ ذلك مفعول له لا محالة، واستشهد عليهم بما كانوا يشاهدونه في مسائرهم ومتاجرهم في رحلهم إلى الشام والعراق واليمن من آثار الماضين وعلامات هلاكهم ودمارهم. (لِيُعْجِزَهُ): ليسبقه ويفوته.
[(وَلَوْ يُؤاخِذُ الله النَّاسَ بِما كَسَبُوا ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ وَلكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ الله كانَ بِعِبادِهِ بَصِيراً)] ٤٥ [
وقالَ أبو عليّ: هو على إجراءِ الوصلِ مُجرى الوقفِ كما حكى سيبويه من قولهِ: ثَلَثْهُم.
وقيل: يحتملُ أنه خَفَّف آخرَ الاسمِ لاجتماعِ الكسرتين والياءَيْن، كما خفَّفوا الباءَ من ((إبل))؛ لتوالي الكسرتين، ونُزِّلَ حركةُ الإعرابِ بمنزلةِ غيرِ حركةِ الإعراب.
قولُه:(ومكرًا سَيِّئًا)، قالَ ابنُ جنِّي: يشهد لتنكيره تنكير ما قبله وهو {اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ}، وقراءةُ العامّة أقوى معنى لتعريفِه، كأنه قال: المكرَ السَّيئ مُستنكَرٌ في النفوس، مفعولٌ له لا محالة، أي: لله تعالى أن يفعَله.
قولُه:(وجعل استقبالَهم لذلك انتظارًا له منهم)، اللام متعلِّقٌ بـ ((انتظارِ)) أي: أُريدَ أن يقال: فهل يَسْتقبلونَ إلا ما فَعلنا بما مضى من الأمم الماضيةِ من الدمارِ، وقيل: فهل ينتظرونَ، حُلولَ ميعادِه؟
قولهُ:(أي: لا يُغيِّرها)، معنى التبديلِ والتحويل. وقولُه:((وأنَّ ذلك مفعولٌ له)) أي: لله تعالى، عَطْفٌ تفسيريٌّ، فَسَّر معنى ((لن)) وتكريرَه وما يَتَّصِلُ بهما.