ومنه: اقتمحت السويق. فإن قلت: فما قولك فيمن جعل الضمير للأيدي، وزعم أن الغل لما كان جامعًا لليد والعنق -وبذلك يسمى جامعة- كان ذكر الأعناق دالًا على ذكر الأيدي؟ قلت: الوجه ما ذكرت لك، والدليل عليه: قوله: {فَهُم مُّقْمَحُونَ}، ألا ترى كيف جعل الإقماح نتيجة قوله:{فَهِيَ إِلِى الْأَذْقَانِ}؟ ولو كان الضمير للأيدي لم يكن معنى التسبب في الإقماح ظاهرًا، على أن هذا الإضمار فيه ضرب من التعسف،
قوله:(اقتحمت السويق). عن بعضهم: أقمحت الدواء: إذا ألقتيه في فمك، ويقال: اقتمحته؛ أي: أشفقته، وذلك إنما يكون عند رفع الرأس.
قوله:(فما قولك فيمن جعل الضمير للأيدي؟ ) قال محيي السنة: فهي كناية عن الأيدي وإن لم يجر لها ذكر، لأن الغل يجمع اليد إلى العنق. وقال الزجاج بعد ما ذكر نحوًا من هذا: ولم تذكر الأيدي إيجازًا واختصارًا، لأن الغل يتضمن اليد والعنق، ومثله قول الشاعر:
وما أدري إذا يممت أرضًا .... أريد الخير أيهما يليني
أألخير الذي أنا أبتغيه .... أم الشر الذي هو يبتغيني؟
فذكر الخير وحده، وقد علم أن الخير والشر معرضان للإنسان، ونحوه قوله تعالى:{سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ}[النحل: ٨١].
قوله:(ولو كان الضمير للأيدي لم يكن معنى التسبب في الإقماح ظاهرًا)، الانتصاف: ويحتمل أن تكون الفاء للتعقيب كقوله: {فَهِيَ إلَى الأَذْقَانِ}، أو للتسبب، فإن ضغط اليد مع العنق يوجب الإقماح، لأن اليد تبقى ممسكة بالغل تحت الذقن رافعة لها، ولأن اليد إذا كانت مطلقة كانت راحة للمغلول، فربما تحيل بها على فكاك الغل فيكون منبهًا على انسداد باب الحيلة.