للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فلذلك رفضت ذكر المحكوم له والمحكوم عليه. إنما رفع {بَشَرٌ} هنا ونصب في قوله: {مَا هَذَا بَشَرًا} [يوسف: ٣١]؛ لأن "إلا" تنقض النفي، فلا يبقى لـ"ما" المشبهة بـ"ليس" شبه، فلا يبقى له عمل. فإن قلت: لم قيل: {إنَّا إلَيْكُم مُّرْسَلُونَ} أولًا، و: {إنَّا إلَيْكُم لَمُرْسَلُونَ} آخرًا؟ قلت: لأن الأول ابتداء إخبار، والثاني جواب عن إنكار.

[{قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إنَّا إلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ * ومَا عَلَيْنَا إلاَّ البَلاغُ المُبِينُ} ١٦ - ١٧]

وقوله: {رَبُّنَا يَعْلَمُ} جار مجرى القسم في التوكيد، وكذلك قولهم: شهد الله، وعلم الله. وإنما حسن منهم هذا الجواب الوارد على طريق التوكيد والتحقيق مع قولهم: {ومَا عَلَيْنَا إلاَّ البَلاغُ المُبِينُ} أي: الظاهر المكشوف بالآيات الشاهدة لصحته؛ وإلا فلو قال المدعي: والله إني لصادق فيما أدعي، ولم يحضر البينة؛ كان قبيحًا.

[{قَالُوا إنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِن لَّمْ تَنتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ ولَيَمَسَّنَّكُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ * قَالُوا طَائِرُكُم مَّعَكُمْ أَئِن ذُكِّرْتُم بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ} ١٨ - ١٩]

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله: (لأن الأول ابتداء إخبار) فيه نظر، لأن قوله تعالى: {إذْ أَرْسَلْنَا إلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إنَّا إلَيْكُم مُّرْسَلُونَ} يدل على إنكار سابق، ولا سيما وقد سبق {أَرْسَلْنَا إلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا}، فلابد من كلام كذبا فيه، والجملة الابتدائية هي التي يتلقى بها خالي الذهن، وتكون خلوا من المؤكدات.

قوله: (مع قولهم: {ومَا عَلَيْنَا إلاَّ البَلاغُ المُبِينُ}) متعلق بقوله: "وإنما حسن"، يريد: لولا قولهم: {ومَا عَلَيْنَا إلاَّ البَلاغُ المُبِينُ} لم يحسن قولهم: {رَبُّنَا يَعْلَمُ إنَّا إلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ}؛ لأن هذا قول العاجز من الدليل الذي لم يبق له متشبث يتشبث به سوى هذه الكلمة، قال في قوله تعالى: {وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِّنْ دُونِ اللهِ} [البقرة: ٢٣]: أي: لا تستشهدوا بالله، ولا تقولوا: الله يشهد أن ما ندعيه حق كما يقوله العاجز عن إقامة البينة على صحة دعواه. وحين كان معترفًا به وهو أمارة على إقامة البينة فجاز وحسن، لأن البلاغ إنما يكون مبينًا إذا كان مؤكدًا بالمعجزات الظاهرة والآيات المشاهدة.

<<  <  ج: ص:  >  >>