قوله:{ومَا لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي} مكان قوله: ومالكم لا تعبدون الذي فطركم، ألا ترى إلى قوله:{وإلَيْهِ تُرْجَعُونَ}؟ ولولا أنه قصد ذلك لقال: الذي فطرني وإليه أرجع، وقد ساقه ذلك المساق إلى أن قال:{إنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ} يريد:
قوله:(ولولا أنه قصد ذلك لقال: الذي فطرني وإليه أرجع)، قال صاحب "المفتاح": ولولا التعريض لكان المناسب: وإليه أرجع، وكذا {أَأَتَّخِذُ مِن دُونِهِ آلِهَةً إن يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا ولا يُنقِذُونِ * إنِّي إذًا لَّفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ} المراد: أتتخذون من دونه آلهة إن يردكم الرحمان بضر لا تغن عنكم شفاعتهم شيئًا ولا ينقذوكم إنكم إذًا لفي ضلال مبين، ولذلك قيل:{إنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ} وأتبعه {فَاسْمَعُونِ} ولا تعرف حسن موقع هذا التعريض إلا إذا نظرت إلى مقامه وهو يطلب إسماع الحق على وجه لا يورث طالبي دم المسمع مزيد غضب، وهو ترك المواجهة بالتضليل والتصريح بارتكاب الباطل.
قلت: قد ذهبا إلى أن قرينة التعريض هو قوله: ترجعون، ولو لاه لم يكن تعريضًا كأن هذا تعريض منهما بالواحدي حيث قال: فلما قال هذا، أي: الرجل: {يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا المُرْسَلِينَ} إلى آخره/ فرفعوه إلى الملك فقال له الملك: أفأنت تتبعهم؟ فقال:{ومَا لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي} أي: أي شيء لي إذا لم أعبد خالقي وإليه ترجعون، تردون عند البعث فيجزيكم بكفركم؟ تم كلامه.
وذلك أنه إذا رجع الإنكار إليه لا إلى القوم لم يكن لخطاب القوم بقوله:{تُرْجَعُونَ} معنى، وكان الظاهر إليه أرجع.