للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فاسمعوا قولي وأطيعوني، فقد نبهتكم على الصحيح الذي لا معدل عنه: أن العبادة لا تصح إلا لمن منه مبتؤكم وإليه مرجعكم، وما أدفع العقول وأنكرها لأن تستحبوا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ويمكن أن يقال: إن الرجل كان في غيظ شديد من تكذيبهم الرسل، وقولهم: {مَا أَنتُمْ إلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا} إلى قوله: {ولَيَمَسَّنَّكُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ} وانتهز الفرصة للانتقام، فلما تمكن من تهديدهم أوقع قوله: {وإلَيْهِ تُرْجَعُونَ} في البين؛ أي: مالي لا أعبد الذي من علي بنعمة الإيجاد ونعمة الانتقام منكم والتشفي من غيظكم إذ ترجعون إليه، فيجزيكم بكفركم وتكذيبكم الرسل وعنادكم، لكن النظم يساعد على الأول، فإن التقدير: اتبعوا من لا يسألكم أجرًا وهم مهتدون في عبادة الملك العلام الضار النافع، وترك عبادة الأصنام التي لا تضر ولا تنفع، وما لكم أيها القوم لا تتبعونهم، ولا تعبدون الذي فطركم وإليه ترجعون فيجزيكم على أعمالكم؛ إن خيرًا فخير، وإن شرًا فشر، ثم نبه على ضلالتهم، وأنهم على خلاف ما عليه الرسل من الاهتداء بقوله: {إنِّي إذًا لَّفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ} ورشح التنبيه بقوله: {فَاسْمَعُونِ} أي: اسمعوا ما قلت لكم من حال الرسل وحالكم ثم حالي، لتفرقوا بين الحق والباطل، فتتبعوا الرسل.

وقد يقال: إن الأسلوب من الالتفات المعنوي حيث التفت من حكاية النفس في {ومَا لِيَ} إلى الخطاب في {تُرْجَعُونَ}، ولا بأس باختلاف المفهومين، لأن المراد ما لكم كما سبق، وقريب من الأسلوب قوله تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ} [المائدة: ٦٤] قال المصنف: {يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ} عبارة عن البخل، و {غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ} دعاء عليهم بغل الأيدي حقيقة، والطباق من حيث اللفظ وملاحظة أصل المجاز كما يقول: سبني سب الله دابره، أي: قطعه، لأن السب أصله القطع.

قوله: (وما أدفع العقول وأكرها لأن تستحبوا) معناه: ما أدفع العقول وأنكرها

<<  <  ج: ص:  >  >>