للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وفيه تنبيه عظيم على وجوب كظم الغيظ، والحلم عن أهل الجهل، والترؤف على من أدخل نفسه في غمار الأشرار وأهل البغي، والتشمر في تخليصه، والتلطف في افتدائه، والاشتغال بذلك عن الشماتة به والدعاء عليه، ألا ترى كيف تمنى الخير لقتلته والباغين له الغوائل وهم كفرة عبدة أصنام؟ ويجوز أن يتمنى ذلك ليعلموا أنهم كانوا على خطأ عظيم في أمره، وأنه كان على صواب ونصيحة وشفقة، وأن عداوتهم لم تكسبه إلا فوزًا، ولم تعقبه إلا سعادة؛ لأن في ذلك زيادة غبطة له وتضاعف لذة وسرور. والأول أوجه. وقرئ: (المكرمين). فإن قلت: "ما" في قوله تعالى: {بِمَا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تعالى أن يعلم قومه بأنه تعالى غفر له وجعله من المكرمين لا يبعد أن الله تعالى أعطى مناه وحقق متمناه وأعلمهم ذلك إما بإلهام أو برؤية صادقة، وكان علمهم بذلك سبب لاكتساب مثلها لأنفسهم إلى آخر ما أشار إليه المصنف. هذا معنى نصح الميت.

قوله: (في غمار) يقال: دخلت في غمار الناس وغمار الناس؛ بفتح وبضم، أي: كثرتهم وزحمتهم.

قوله: (والأول أوجه) وهو أن يكون قوله: {يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ} تمنى علم قومه بحاله ليكون علمهم بذلك سببًا لاكتساب مثلها، لا تمنى أن ينتهوا عن خطئهم وصوابه، لما ينبئ ذلك على أنه نصح قومه حيًا وميتًا؛ ولما اشتمل على تلك الفوائد المتكاثرة على سبيل الإدماج بخلافه في الثاني، فإن فيه شائبة حظ النفس من الشماتة بهم والاغتياظ بها قال، فلا يطابق قوله: {اتَّبِعُوا مَن لاَّ يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وهُم مُّهْتَدُونَ} كما سبق أن غرضهم في الدعوة لم يكن سوى محض النصح.

قوله: (وقرئ: "المكرمين")، وهي شاذة.

<<  <  ج: ص:  >  >>