ذلك إلا بناء على ما اقتضته الحكمة وأوجبته المصلحة، ألا ترى إلى قوله تعالى:{فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا}[العنكبوت: ٤٠]؟ فإن قلت: فلم أنزل الجنود من السماء يوم بدر والخندق؛ قال تعالى:{فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا}[الأحزاب: ٩]، {بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ}[الأنفال: ٩]، {بِثَلَاثَةِ آَلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ}[آل عمران: ١٢٤]، {بِخَمْسَةِ آَلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ}[آل عمران: ١٢٥]؟ قلت: إنما كان يكفي ملك واحد، فقد أهلكت مدائن لوط بريشة من جناح جبريل، وبلاد ثمود وقوم صالح بصيحته، ولكن الله فضل محمدًا صلى الله عليه وسلم بكل شيء على كبار الأنبياء وأولي العزم من الرسل، فضلًا على حبيب النجار، وأولاه من أسباب الكرامة والإعزاز ما
قوله:(فضلًا عن حبيب النجار) وفي بعض النسخ: "على حبيب النجار"، وهو مفعول مطلق، يعني: فضل الله تعالى محمدًا صلوات الله عليه على كبار الأنبياء فضله على حبيب النجار، يعني: له أسوة بسائر الأنبياء في أن لم ينزل الله تعالى في إهلاك قومهم جندًا من السماء، لأن ذلك من خصائص سيدهم صلوات الله عليه وعليهم.
فإن قلت: أي فرق بين الاستعمالين؟
قلت: على الأول ينعكس المعنى وذلك أنه تعالى لما قال: {ومَا أَنزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِن جُندٍ مِّنَ السَّمَاءِ ومَا كُنَّا مُنزِلِينَ} على معنى: ما كان يصح في حكمة الله أن ينزل في إهلاك قوم حبيب جندًا من السماء، لأن ذلك من عظائم الأمور التي لا يؤهل لها حبيب النجار، ولو أريد ذلك المعنى لقيل: ولكن الله تعالى فضل محمدًا صلوات الله عليه على كبار الأنبياء حيث خصه بهذه الفضيلة ولم يعطها أحدًا منهم فضلًا عن حبيب النجار، فيلزم منه تنقيص الحبيب، لأن "فضلًا" إذا عدي بـ"عن" ضمن معنى التجاوز، واستعمل في