للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لم يوله أحدًا؛ فمن ذلك أنه أنزل له جنودًا من السماء، وكأنه أشار بقوله: {ومَا أَنزَلْنَا}، {ومَا كُنَّا مُنزِلِينَ} إلى أن إنزال الجنود من عظائم الأمور التي لا يؤهل لها إلا مثلك، وما كنا نفعله بغيرك. {إن كَانَتْ إلاَّ صَيْحَةً}: إن كانت الأخذة أو العقوبة إلا صيحة. وقرأ أبو جعفر المدني بالرفع على "كان" التامة، أي: ما وقعت إلا صيحة، والقياس والاستعمال على تذكير الفعل؛ لأن المعنى: ما وقع شيء إلا صيحة، ولكنه نظر إلى ظاهر اللفظ، وأن الصيحة في حكم فاعل الفعل، ومثلها قراءة الحسن: {فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ} [الأحقاف: ٢٥]، وبيت ذي الرمة:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

موضع يستعبد فيه الأدنى ويراد به استحالة ما فوقه، وما كان طريقًا إلى بيان فضله كان أولى بالسلوك مما فيه بيان نقصه.

قوله: (وأن الصيحة في حكم فاعل الفعل) قال الزجاج: من قرأ بالنصب فالمعنى: ما كانت عقوبتهم إلا صيحة واحدة، ومن قرأ بالرفع فالمعنى: ما وقعت عليهم عقوبة إلا صيحة واحدة.

وقال ابن جني: في الرفع ضعف لتأنيث الفعل، ولا يقوى أن تقول: ما قدمت إلا هند، لأن الكلام محمول على: ما قام أحد إلا هند، وأما محصول الآية فقد كان هناك صيحة واحدة فجيء بالتأنيث، ومثله قراءة الحسن: "فأصبحوا لا ترى إلا مساكنهم" [الأحقاف: ٢٥]، وقول ذي الرمة:

طوى النحز والأجراز ما في غروضها .... وما بقيت إلا الصدور الجراشع

أي: ما بقي شيء منها إلا الضلوع، وفي رواية:

برى لحمها سير الفيافي وحرها

طوى، أي: أضمر. والنحز: الضرب بالأعقاب في الاستحثاث.

<<  <  ج: ص:  >  >>