قوله:(نداء للحسرة عليهم) قال الزجاج: هذا [من] أصعب مسألة في القرآن، لأن الحسرة مما لا يجيب، فالفائدة في مناداتها كما أنك تقول لمن هو مقبل عليك: يا زيد، ما أحسن ما صنعت! فإنه أوكد وأبلغ من إذا قلت: ما أحسن ما صنعت! لتنبيهه بالنداء على المطلوب، فكذا إذا قلت: وأنا أعجب مما فعلت، فقد أفدته أنك متعجب، ولو قلت: واعجباه مما فعلت! كان أبلغ في الفائدة، والمعنى: يا عجب أقبل فإنه من أوقاتك، وإنما نداء العجب تنبيه لأن يتمكن علم المخاطب بالتعجب من فعله.
والحسرة: هي أن يركب الإنسان من شدة الندم ما لا نهاية بعده حتى يبقى حسيرًا.
قوله:(وهي حال استهزائهم) بيان لاسم الإشارة في "فهذه"، أي: حال استهزائهم بالرسل حال من أحوالك يا حسرة، فاحضري فيها. وفيه: أن قوله تعالى: {مَا يَاتِيهِم مِّن رَّسُولٍ} بيان للكلام السابق، كأنه لما قيل:{يَا حَسْرَةً عَلَى العِبَادِ}، قيل: لأي شيء؟ فأجيب بأنه {مَا يَاتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إلاَّ كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ} فالمتحسر إما عام يعني بلغ الأمر فخامته وشدته إلى حيث كل من يأتي منه التلهف إذا نظر إلى حالة استهزائهم الرسل تحسر عليهم، وقال: فيا لها من خسار وخيبة على هؤلاء المجازفين حيث بدلوا الإيمان بالكفر، والسعادة بالشقاوة، وإما كل من يعتد منه التحسر كما في قوله لهم:{وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ}[البقرة: ١٥٩] وهو المراد من قوله: من جهة الملائكة والمؤمنين، وأما التحسر من الله فمجاز.
وذلك أن التحسر هو تلهف ورقة تعتري الإنسان لا يلحق بصاحبه من مشقة وشدة، وغايته أن يستعظم ذلك الأمر، وينكر على مرتكبه، ويتعجب منه كيف تورط فيه، وفي حق الله تعالى محمول على غايته لا على بدايته، وإليه أشار بقوله: في تعظيم ما جنوه على أنفسهم إلى آخره.