والمعنى: أنه لا يجوز عليه شيء مما يجوز على الأجسام إذا فعلت شيئًا مما تقدر عليه؛ من المباشرة بمحال القدر، واستعمال الآلات، وما يتبع ذلك من المشقة والتعب واللغوب، إنما أمره- وهو القادر العالم لذاته- أن يخلص داعيه إلى الفعل، فيتكون، فمثله كيف يعجز عن مقدور حتى يعجز عن الإعادة؟ {فَسُبْحَانَ}: تنزيه له ممًا وصفه به المشركون، وتعجيب من أن يقولوا فيه ما قالوا. {بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ}: هو مالك
قوله:(والمعنى: أنه لا يجوز عليه شيء مما يجوز على الأجسام)، يعني: إنما عقب بقوله: {إنَّمَا أَمْرُهُ إذَا أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ} ما سبق من إثبات القدرة على خلق السماوات والأرض وخلق مثلهم، لئلا يقيس الجاهل المنكر الغائب بالشاهد، والقادر على الإطلاق بالعاجز المحتاج؛ لأن الباري عز شأنه إذا تعلقت إرادته بإيجاد شيء يحدث بلا توقف لا محالة. على أن هذا تفهيم وتقريب.
قوله:(العالم لذاته)، مذهبه.
قوله:(وتعجيب من أن يقولوا فيه ما قالوا)، أي: الجماعة من كفار قريش، منهم: أبي بن خلف، وأبو جهل والعاص والوليد كما سبق؛ تكلموا في البعث وأنكروه كل الإنكار حتى أخذ أبي عظمًا باليًا، فجعل يفته بيده ويقول: يا محمد، أترى يحيى هذا بعدما رم؟ ولما أجاب الله تعالى عن ذلك بقوله:{قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ}، وعقبه بقوله:{إنَّمَا أَمْرُهُ إذَا أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ} رتب عليه بالفاء قوله {فَسُبْحَانَ} تأكيدًا وتقريرًا أي: إذا تقرر هذا {فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وإلَيْهِ تُرْجَعُونَ} فكان من حق الظاهر أن يقال: بيده ملكوت كل شيء وإليه يرجع الأمر كله، فخص رجوع المشركين بالذكر دلالةً على غضب شديد وتهديد عظيم، لقولهم: من يحيي العظام وهي رميم؟ ولهذا السر أيضًا أجاب نبي الله صلى الله عليه وسلم أبيًا عن هذا القول بقوله:"نعم. ويبعثك ويدخلك جهنم" كما سبق.