في ذلك، كقولك: رحم الله المحلقين فالمقصرين؛ فعلى هذه القوانين الثلاثة ينساق أمر الفاء العاطفة في الصفات. فإن قلت: فعلى أي هذه القوانين هي فيما أنت بصدده؟ قلت: إن وحدت الموصوف كانت للدلالة على ترتب الصفات في التفاضل، وإن ثلثته،
قوله:(رحم الله المحلقين فالمقصرين) أي المحلق أقرب من المقصر، والفاء لدنو رتبة المقصر من المحلق. وروينا عن ابن عمر رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "اللهم ارحم المحلقين" قالوا: والمقصرين يا رسول الله. قال:"اللهم ارحم المحلقين" قالوا: والمقصرين يا رسول الله. قال:"والمقصرين". أخرجه البخاري ومسلم ومالك وأبو داود.
عطفوا قولهم:"والمقصرين" على قوله صلوات الله عليه: "المحلقين" ويسمى مثل هذا العطف عطف تلقين، كقوله تعالى {قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي}[البقرة: ١٢٤]، فعلى هذا خرج الحديث عن أن يصلح للاستشهاد، ويستشهد له بما روينا عن الترمذي، عن مصعب بن سعد، عن أبيه، قال: قلت: يا رسول الله، أي الناس أشد بلاء؟ قال:"الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى الرجل على حسب دينه". الحديث.
قوله:(إن وحدت الموصوف كانت للدلالة على ترتب الصفات في التفاضل)، وقلت: قد ذكر في القوانين أمثلة ثلاثة، والقسمة الصحيحة أربعة؛ لأنه كما جاز في الصفات الدلالة على ترتب معانيها في الوجود كذلك يجوز في الموصوفات، كما تقول: حل المتمتع فالقارن فالمفرد. وإنما لم يعتبر في الآية الترتب في الوجود لا في الصفات ولا في الموصوفات؛ لأن ما يقسم به يجب أن يكون عظيم الشأن وله مزية في نفسه، ولا يدخل الترتب في الوجود في معنى التعظيم سواء كان في توحيد الموصوف وتعدد الصفات أو في تعدد الموصوفات.