فهي للدلالة على ترتب الموصوفات فيه، بيان ذلك: أنك إذا أجريت هذه الأوصاف على الملائكة وجعلتهم جامعين لها؛ فعطفها بالفاء يفيد ترتبًا لها في الفضل، إما أن يكون الفضل للصف ثم للزجر ثم للتلاوة، وإما على العكس، وكذلك إن أردت العلماء وقواد الغزاة
قوله:(إما أن يكون الفضل للصف ثم الزجر ثم للتلاوة) وذلك أنه تعالى أقسم بطوائف الملائكة الصافات بأقدامها في الصلوات إجلالًا وتعظيمًا، وبأجنحتها منتظرة لأمر الله تدبيرًا، فالزاجرات الغير وعظًا وتذكيرًا والسحاب حياة للبلاد ورحمة على العباد، فالتاليات لكلام الله لا غير.
وإما على العكس، فأقسم بطوائف التاليات لكلام الله العاملات بما فيه ليلًا ونهارًا، كقوله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا} الآية [فاطر: ٢٩] كما مر، فالزاجرات السحاب رحمة للعباد، فالصافات بأجنحتها في الهواء لا غير، هذا ما يمكن أن يقال على ما قال. "وإما على ترتبها في التفاوت من بعض الوجوه".
قوله:(وكذلك إن أردت العلماء وقواد الغزاة)، أي: مثل ذلك الحكم من التنزل والترقي، ومن توحيد الموصوف وتثليثه يجري في العلماء والغزاة، مثاله العالم في صفوف الجماعات مكمل لنفسه، وفي الوعظ والتذكير مكمل لغيره، فبقوارع الآيات يزجر المستمتعين، وبكواشفها. يدعوهم إلى الصراط المستبين، وبالعكس، فإن التالي لنفسه أحط منزلة ممن يشتغل بإكمال غيره تارة بالقلب واللسان، وأخرى باليد والسنان.
روينا عن مسلم والترمذي وأبي داود، عن أبي سعيد قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان.