إذا قاتلوهم قالوا: اللهم انصرنا بالنبي المبعوث في آخر الزمان الذي نجد نعته وصفته في التوراة، ويقولون لأعدائهم من المشركين: قد أظل زمان نبىّ يخرج بتصديق ما قلنا فنقتلكم معه قتل عاد وإرم: وقيل معنى (يَسْتَفْتِحُونَ): يفتحون عليهم ويعرفونهم أنّ نبيا يبعث منهم قد قرب أوانه .....
وقلت: والمعنى أيضاً لا يساعد عليه؛ لأن الشرط كلام في شأن الكتاب، والجزاء في شان الرسول، فلا يتطابق الشرط والجزاء.
فإن قلت: نظيره قوله تعالى بعد هذا: (وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ)[البقرة: ١٠١] لأن نبذ الكتاب هو الجزاء، وهو كلام في الكتاب، والشرط كلام في الرسول.
قلت: الفرق ظاهر، لأن ذكر الرسول فيما نحن بصدده وهو قوله:(وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا) تابع لذكر الكتاب، وقيد للفعل، وتتميم للمعنى، فلا يصح أن يمحض الجزاء بذكر الرسول، بخلافه في تلك الآية، فإن ذكر الرسول كالتمهيد لذكر الكتاب، فلذلك استقام "نبذ فريق" أن يكون جزاء، وأما المعنى الذي عليه كلام المصنف. فإن قوله:(وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ) جملة حالية مقررة لجهة الإشكال، "وقد" مقدرة، أي: انظروا إلى عناد هؤلاء، فإنهم لما جاء الكتاب المصدق لما معهم، والحال أنهم كانوا من قبل يستنصرون على الكفار بمن أنزل عليه الكتاب، كذبوا به واستهانوا، وقوله:(فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ)[البقرة: ٨٩] جملة معطوفة على الجملة الأولى بعد تمامها، لتدل الأولى على سوء معاملتهم مع الكتاب الذي هو مصدق لما معهم، والثانية مع الرسول الذي كانوا يستفتحون به ويعرفونه حق معرفته.
قوله:(أظل زمان نبي)، الجوهري: هو من قولك: أظلك فلان، إذا دنا منك كأنه ألقى عليك ظله، ثم قيل: أظلك أمر وأظلك شهر كذا.