للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فما هي إلا دار الطيبين ومثوى الطاهرين؛ لأنها دار طهرها الله من كل دنس، وطيبها من كل قذر، فلا يدخلها إلا مناسب لها موصوف بصفتها، فما أبعد أحوالنا من تلك المناسبة! ما أضعف سعينا في اكتساب تلك الصفة! إلا أن يهب لنا الوهاب الكريم توبة نصوحًا، تقي أنفسنا من درن الذنوب، وتميط وضر هذه القلوب. {خَالِدِينَ}: مقدرين الخلود. {الْأَرْضَ}: عبارة عن المكان الذي أقاموا فيه واتخذوه مقرًا ومتبوا وقد ورثوها، أي: ملكوها وجعلوا ملوكها، وأطلق تصرفهم فيها كما يشاؤون، تشبها بحال الوراث وتصرفه فيما يرثه واتساعه فيه، وذهابه في إنفاقه طولًا وعرضًا.

فإن قلت: ما معنى قوله: {حَيْثُ نَشَاءُ}؟ وهل يتبوأ أحدهم مكان غيره؟ قلت: يكون لكل واحد منهم جنة لا توصف سعة وزيادة على الحاجة، فيتبوأ من جنته حيث يشاء،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وأما اختيار لفظ" السوق" وبناء الفعل للمفعول فلللدلالة على عظمة الكبرياء والجلال، ولتوافق ما ختم به الكلام بما بدئ به، ألا ترى كيف قيل: {وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وض الشُّهَدَاءِ}؟ فكما أن ذلك المجيء لا يدل على فضلهم وكرامتهم بل على الكبرياء والجلال، وكذلك هذا السرق. وأيضا: لا يليق بهذا المقام أن يقال: وحثها إسراعًا بهم إلى دار الكرامة كما يفعل بمن يشرف ويكرم من الوافدين على بعض الملوك؛ لأنه صدور من جناب ملك الملوك بعد قضاء الحق وتوفي الأجور، ويمكن أن يجرى على المشاكلة، فإن لما نسب السوق إلى الكفار وانضم معه مقام الجبروت والكبرياء، قيل: {وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا} وفي عكسه قوبل في الكهف: {وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا} [الكهف: ٢٩] بقوله: {وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا}: [الكهف: ٣١]. قال: {وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا} متكأ، من المرفق، وهذا لمشاكلة قوله: {وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا}.

قوله: (يكون لكل واحد منهم جنة لا توصف سعة وزيادة على الحاجة)، ينصره ما روينا عن الإمام أحمد بن حنبل والترمذي، عن ابن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن أدنى أهل الجنة منزلًا لمن ينظر إلى جناية وأزواجه ونعيمه وخدمه وسرره مسيرة ألف سنة،

<<  <  ج: ص:  >  >>