سجل على المجادلين في آيات الله بالكفر_ والمراد: الجدال بالباطل_ من الطعن فيها، والقصد إلى إدحاض الحق وإطفاء نور الله، وقد دل على ذلك في قوله:{وجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الحَقَّ}[غافر: ٥]، أما الجدال فيها لإيضاح ملتبسها، وحل مشكلها، ومقادحة أهل العلم في استنباط معانيها، ورد أهل الزيغ بها وعنها، فأعظم جهاد في سبيل الله، وقوله صلى الله عليه وسلم:"إن جدالًا في القرآن كفر" وإيراده منكرًا، وأن لم يقل: إن الجدال، تمييز منه بين جدال وجدال. فإن قلت: من أين تسبب لقوله: {فَلا يَغْرُرْكَ}
قوله:(إن جدالًا في القرآن كفر)، هذا الحديث مذكور في "شرح السنة"، أوله: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن هذا القرآن نزل على سبعة أحرف، فلا تماروا في القرآن، فإن مراء فيه كفر". رواه أبو جهيم، وفيه أيضًا: عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "المراء في القرآن كفر".
قوله:(وإيراده منكرًا، وأن لم يقل: إن الجدال تمييز بين جدال وجدال)، قال الإمام: استعمال الجدال_ أي: تعديه_ بـ"في" مشعر بالجدال الباطل، واستعماله بـ"عن" مشعر بدلجدال لأجل تقريره والذب عنه، فإن الجدال نوعان: حق وباطل، أما الحق فهو حرفة الأنبياء، قال تعالى:{وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}[النحل: ١٢٥]، {قَالُوا يًا نُوحُ قَدْ جِادِلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا}[هود: ٣٢]. والجدال في آيات الله هو أن يقول مرة: إنه سحر، ومرة: إنه شعر، ومرة: إنه أساطير الأولين.