للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ما قبله؟ قلت: من حيث إنهم لما كانوا مشهودًا عليهم من قبل الله بالكفر، والكافر

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الراغب: الجدال: المفاوضة على سبيل المنازعة والمغالبة، وأصله من: جدلت الحبل أحكمت فتله. وجدلت البناء: أحكمته.

قوله: (من حيث إنهم [لما] كانوا مشهودًا عليهم من قبل الله بالكفر)، أي: مسجلًا عليهم بالكفر في قوله: {إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا} بأداة الحصر، يعني لما بالغ في الحكم بالكفر عليهم صار سببًا لأن يقال: {فَلا يَغْرُرْكَ}؛ لأن الكافر شقي مطلقًا منغمس في لذات هذا العاجل غافل عن الآجل، وعاقبته الدمار، والعاقل لا ينظر إلى ظاهر الحال والتمتع بزهرة الحياة الدنيوية، فالفاء جواب شرط محذوف، وإليه الإشارة بقوله: "لما كانوا مشهودًا عليهم بالكفر"، والكافر لا أحد أشقى منه، وجب على من تحقق ذلك أن لا ترجح أحوالهم في عينه، ويكون قوله: {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ} كالتذييل على سبيل التمثيل لجملة أحوال المجادلين الكافرين.

وقلت: الظاهر أن اتصال {فَلا يَغْرُرْكَ} بما قبله من حيث الإنظار والإمهال للتمتع باللذات العاجلة للاستدراج، وإلا كان حقهم أن يصب عليهم العذاب صبًا بسبب عنادهم وجدالهم الباطل ليدحضوا به الحق، أي: لا يجادل في آيات الله الظاهرة إلا المعاند المكابر، {فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي البِلادِ} وتمتعهم أيامًا قلائل، فإنا نأخذهم أخذ عزيز مقتدر، ألا ترى إلى سوء عاقبة أولئك المكذبة المجادلة من قوم نوح والأحزاب من بعدهم، فأمهلتهم ثم أخذتهم فكيف كان عقاب؟ وكذلك حقت كلمة ربك على هؤلاء الذين كفروا وجادلوا بالباطل، وأما اتصال {مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ} بالكلام السابق، فهو أنه تعالى لما قال: {حم * تَنْزِيلُ الْكِتَابِ} وفخم السورة أو الكتاب بكونه تنزيلًا من الإله المعبود الموصوف.

<<  <  ج: ص:  >  >>