أن الرسل لما رأوا جهلهم المتمادي، واستهزائهم بالحق، وعلموا سوء عاقبتهم، وما يلحقهم من العقوبة على جهلهم واستهزائهم؛ فرحوا بما أوتوا من العلم، وشكروا الله عليه، وحاق بالكافرين جزاء جهلهم واستهزائهم. ويجوز أن يريد بما فرحوا به من العلم: علمهم بأمور الدنيا ومعرفتهم بتدبيرها، كما قال تعالى:{يَعْلَمُونَ ظاهِرًا مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ}[الروم: ٧]، {ذلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ}[النجم: ٣٠]، فلما جاءهم الرسل بعلوم الديانات، وهي أبعد شيء من علمهم؛ لبعثها على رفض الدنيا والظلف عن الملاذ والشهوات؛ لم يلتفتوا إليها، وصغروها، واستهزؤا بها، واعتقدوا أنه لا علم أنفع وأجلب للفوائد من علمهم؛ ففرحوا به.
البأس: شدّة العذاب، ومنه قوله تعالى:{بِعَذابٍ بَئِيسٍ}[الأعراف: ١٦٥]. فإن قلت: أي فرق بين قوله: {فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ} وبينه لو قيل: فلم ينفعهم إيمانهم؟ قلت: هو من "كان" في نحو قوله: {مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ}[مريم: ٣٥]، والمعنى:
قوله:(والظلف عن الملاذ)، الجوهري: ظلف نفسه عن الشيء يظلفها، أي: منعها من أن تفعله أو تأتيه.
قوله: (هو من "كان" في نحو قوله: {مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ}[مريم: ٣٥])، الانتصاف: فائدة دخول "كان" المبالغة في نفي الفعل الداخلة هي عليه بتعديد جهة نفيه عمومًا باعتبار الكون، وخصوصًا باعتبار النفع مثلًا، فهو نفي مرتين.
وقلت: تفسيره لا يصح ولا يستقيم، وارد من جهة تسليط النفي على الكون المتضمن