للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقد أوحي إلي دونكم فصحت بالوحي إلىّ وأنا بشر نبوّتي، وإذا صحت نبوّتي: وجب عليكم اتباعي، وفيما يوحى إلي: أن إلهكم إله واحد {فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ}: فاستووا إليه بالتوحيد وإخلاص العبادة غير ذاهبين يمينًا ولا شمالًا، ولا ملتفتين إلى ما يسوّل لكم

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وردوا الشبهة الركيكة معارضين، وإلى الإعراض الإشارة بقوله: {فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ} [فصلت: ٤]، وإلى الاعتراض لمح بقوله: {وَقالُوا قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ} الآية، فكأنهم قالوا: سلمنا دعواك، لكن عندنا ما ينافيه وهو أن الرسالة منحصرة في الملائكة، وما أنت إلا بشر مثلنا، وما أنزل الرحمن من شيء، وليس عندك ما تدفع به هذا الدليل وإن اجتهدت كل الاجتهاد.

هذا معنى قوله: {فَاعْمَلْ إِنَّنا عامِلُونَ} على أحد وجهيه، وهو: فاعمل في إبطال أمرنا إننا عاملون في إبطال أمرك. فأجابهم بقوله: {إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ} على سبيل القول بالموجب، يعني لا شك أني بشر ولست بملك، وذلك كيف يقدح في دعواي؟ لأن الرسالة إنما تثبت بالدعوى وتصديقها بالمعجزة، وقد حصل ذلك، وهو دليل قاطع، ولا أترك القاطع وأشتغل بجواب شبهتكم إلا هذا القدر؛ لأن الذي علي الآن الدعوة إلى التوحيد وبيان سبيل الرشاد والأمر بالتوبة مما سبق لكم من الشرك، والتحريض على مكارم الأخلاق من أداء الزكاة والإيمان بالآخرة إلى غير ذلك، هكذا ينبغي أن يفسر تأويل المصنف، وهو أقرب الأقوال السابقة؛ لأن مقتضى "إنما" وموجب {فَاعْمَلْ إِنَّنا عامِلُونَ} لا يساعد عليع تأويلهم.

فإن قيل: هذا التأويل مبني على معنى {فَاعْمَلْ إِنَّنا عامِلُونَ} في إبطال الأمر، فما معنى الآية على الوجه الآخر، وهو "إننا عاملون على ديننا؟ قلت: تأويله ما رواه الواحدي عن مقاتل: أن أبا جهل رفع ثوبه بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد، أنت من ذلك الجانب ونحن من هذا الجانب، فاعمل أنت على دينك ومذهبك إننا عاملون على ديننا ومذهبنا، قال الله: {إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ} أي: كواحد منكم ولولا الوحي ما دعوتكم. والنظم مع الأول، والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>