حتى يصل إليه ويتعلق به. فإن قلت: أما طعن فيه الطاعنون، وتأوّله المبطلون؟ قلت: ولكن الله قد تقدّم في حمايته عن تعلق الباطل به: بأن قيض قومًا عارضوهم بإبطال تأويلهم وإفساد أقاويلهم، فلم يخلوا طعن طاعن إلا ممحوقًا، ولا قول مبطل إلا مضمحلًا. ونحوه قوله تعالى:{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ}[الحجر: ٩].
لا باطلًا عبثًا، يهدي الناس إلى النعمة العظمى، {وَاللهُ يَدْعَوا إِلَى دَارِ السَّلَامِ}[يونس: ٢٥] فليشكر لذلك قائله وليحمد المتكلم به.
ثم إن المشركين حين لم يعرفوا هذه النعمة، وراموا نسبة الباطل إليه، وطلبوا توهين أحكامه، كما نبه عليه قوله:{وَلَوْ جَعَلْناهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا} الآية سلى حبيبه أولًا بقوله: {ما يُقالُ لَكَ إِلاَّ ما قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ} وثانيًا بقوله: {وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ}.
قوله:({وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ}[الحجر: ٩]) أي: بحراس التنزيل وسواس التاويل، ذبوا عن حريم القرآن، ودفعوا عن مطاعن الخصوم، هكذا يجب أن يقدر ليصح استشهاده بالآية لقوله:" ولكن الله قد تقدّم في حمايته عن تعلق الباطل به: بأن قيض قومًا""الأساس": ولفلان قدم في هذا الأمر: سابقة وتقدم، وله قدم صدق، ضمن "تقدم" معنى "تكفل" أي: تكفل في حمايته سابقًا بأن اتاح وقدر علماء ذابين عن حريمه.
وقلت: يجوز خلافه؛ لأنه تعالى أنزل التوراة واستحفظها الحبار والربانيين كما قال:{إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ} إلى قوله: {وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ}[المائدة: ٤٤] فغيروا وحرفوا، وتكفل عز وجل هو بنفسه حفظ القرآن {وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ}[الحجر: ٩] فأكد الجملة انواعًا من التأكيد؛ لئلا يظن الخلاف.
قال الإمام: إن الله حفظه بأن جعله معجزًا مباينًا لكلام البشر، يعجز الخلق عن الزيادة والنقصان فيه؛ لأنهم لو راموا ذلك لتغير نظمه؛ وظهر للخلق أنه من كلام البشر وليس