للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ * لا يَاتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} ٤١ - ٤٢]

فإن قلت: بم اتصل قوله: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ}؟ قلت: هو بدل من قوله: {إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آياتِنا}. والذكر: القرآن؛ لأنهم لكفرهم به طعنوا فيه وحرّفوا تأويله، {وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ} أي: منيع محمى بحماية الله {لَا يَاتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ} مثل، كأن الباطل لا يتطرّق إليه ولا يجد إليه سبيلًا من جهة من الجهات

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله: (هو بدل من قوله: {إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آياتِنا}) وفي هذا الإبدال الإشعار بتغليظ من تأول القرآن بالرأي الباطل والهوى الزائغ، وتعظيم لشأن القرآن المجيد، ونعي على المتقاعدين عنه، وتسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم عن مطاعن القوم فيه، وذلك انه تعالى لما افتتح السورة بذكر القرآن المجيد، وانه آية عظيمة قاهرة، وعقبه بما بين عجزهم عن المعارضة بتلك الشبهة الركيكة، وهي ان الرسالة منحصرة على الملائكة لا تتعدى إلى البشر، وذكر طعنهم فيه وقولهم: {لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ} وذيل المعنى بوجوه من الاستطرادات المناسبة، أتى بنوع من مطاعنهم، وهو الإلحاد فيه تقريرًا للعجز والانخذال، وبيانًا لتبكيتهم عن الحجة القاهرة، وما يدل على أن الإبدال للتعظيم وضع قوله: {بِالذِّكْرِ} موضع {فِي آياتِنا} وضعًا للمظهر موضع المضمر من غير لفظه السابق، وجعله علة لابتناء أوصاف الكمال عليه {وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ} إلى آخره.

قوله: (كأن الباطل لا يتطرق إليه) بيان للمثل، يعني: قوله: {لَا يَاتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ} استعارة تمثيلية، والوجه منتزع من عدة امور، وهي مسبوقة بالتشبيه، ومن ثم أتى في البيان بأداته، شبه الكتاب وعدم تطرق الباطل إليه بوجه من الوجوه بمن هو محمي بحماية غالب قاهر يمنع جاره من إحاطة العدو به من كل جانب، ثم أخرجه مخرج الاستعارة، بأن ترك المشبه إلى ذكر المشبه به قائلًا: {لَا يَاتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ} فقوله: {لَا يَاتِيهِ الْباطِلُ} صفة أخرى لـ"كتاب"، وقوله: {تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} تعليل لاتصاف الكتاب بالوصفين، فكونه حكيمًا موجب؛ لأن يكون منزله محكمًا متقنًا رصينًا يغلب ولا يغلب؛ فيكون عزيزًا، وكونه حميدًا يستدعي أن يكون كلامه حقًا

<<  <  ج: ص:  >  >>