أن يجرّد لما سيق إليه من الغرض، ولا يوصل به ما يخيل غرضًا آخر، ألا تراك تقول وقد رأيت لباسًا طويلًا على امرأة قصيرة: اللباس طويل واللابس قصير! ولو قلت: واللابسة قصيرة، جئت بما هو لكنة وفضول قول؛ لأنّ الكلام لم يقع في ذكورة اللابس وأنوثته، إنما وقع في غرض وراءهما. {هُوَ} أي القرآن {هُدىً وَشِفاءٌ}: إرشاد إلى الحق وشفاء لِما فِي الصُّدُورِ من الظن والشك. فإن قلت:{وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذانِهِمْ وَقْرٌ} منقطع عن ذكر القرآن، فما وجه اتصاله به؟ قلت: لا يخلو: إما أن يكون {وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ} في موضع الجر
قوله:(لا يخلو: إما أن يكون {وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ} في موضع الجر) قال ابن الحاجب في "الأمالي": {وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ} مخفوض عطف على {لِلَّذِينَ آمَنُوا} و {وَقْرٌ} مرفوع عطف على {هُدًى} و {فِي آذانِهِمْ وَقْرٌ} عطف على قوله: {لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفاءٌ} فلا بد ان يكون موافقًا له في الإعراب، فيجب أن يكون المعطوف على {لِلَّذينَ} مخفوضًا، والمعطوف على {هُدًى} مرفوعًا بالابتداء، ولا يستقيم ان يقال: أجعل في آذانهم وقرًا، جملة في موضع رفع معطوفة على {هُدًى}؛ لأنه يؤدي إلى أن يكون المبتدأ جملة، ويلزم من هذا التقدير أن يكون عطفًا على عاملين، كقوله: في الدار زيد والحجرة عمرو، وما كل سوداء تمرة ولا بيضاء شحمة. ومثل هذا من العطف على عاملين جائز عند المحققين المتأخرين.
ويجوز أن يكون {وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ} مبتدأ، تقديره: والذين لا يؤمنون هو في آذانهم وقر، على أن يكون المبتدأ الثاني محذوفًا، وخبره {وَقْرٌ} و {فِي آذانِهِمْ} بيان لمحل الوقر، ولا يكون الوقر "وفي آذانهم" مبتدأ وخبرًا، ولا يقدر هو؛ إذ لا عائد في الجملة على المبتدأ، فلا يكون ما يربط الجملة الثانية بالأولى؛ لأن قوله:{قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفاءٌ} إخبار عن القرآن بأنه للمؤمنين هدى وشفاء، فإذا لم يكن في الثانية ذكر القرآن كانت أجنبية.
ويجوز أن يكون {وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ} مبتدأ، خبره {فِي آذانِهِمْ وَقْرٌ} من غير تقدير هو، والرابط محذوف "به" هذا قريب من الوجه الثالث في "الكشاف".