للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وقال أيضًا: ويجوز أن يكون قوله: {وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى} مرتبطًا بقوله: {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفاءٌ} والتقدير: هو للذين أمنوا هدى وهو على الذين لا يؤمنون عمى. وقوله: {وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذانِهِمْ وَقْرٌ} جملة معترضة على الدعاء.

وقلت: هذا وغن جاز من جهة الإعراب، لكن من جهة المعاني مردود؛ لفك النظم، وأولى الوجوه ما يصح منه عطف قوله: {وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى} على قوله: {فِي آذانِهِمْ وَقْرٌ} ليكون على وزان قوله: {فِي آذانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى} لأن الطريق الواضح والمنهج المستقيم إنما يعمى على من لا بصر له ولا بصيرة، وهذا لا يحسن إلا على الوجه الثاني في "الكشاف"، وعليه يلتئم الكلام؛ لأن قوله: {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفاءٌ} الآية، جواب عن قوله: {لَقالُوا لَوْلا فُصِّلَتْ آياتُهُءَ أَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ} على الأسلوب الحكيم، والمعنى ما قال: إن آيات الله على أي طريقة جاءتهم وجدوا فيها متعنتًا، لأن القوم غير طالبين للحق، فيكون ذكر المؤمنين مستطردًا لبيان أن الكتاب في نفسه سبب إزالة الشك والريب لوضوح آياته وسطوع براهينه، وإنما نشأ الريب منكم لتعنتكم، وأنكم من اهل الختم والطبع، ولكونه مستطردًا أخرج التركيب مخرجًا أفاد التعريض، بأن قدم الخبر على المبتدأ ليفيد التخصيص، وبنى الجملة على الضمير المرفوع لإفادى تقوي الحكم برتبة لفائدة التعريص، أي: هو للطالبين للحق خاصة هدىً وشفاء لما في صدوررهم من مرض الشك والريب، وللذين لا يؤمنون ضلال ومرض على مرض، {فَزَادَهُمُ اللهُ مَرَضًا} [البقرة: ١٠] ثم ابتدأ {وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولئِكَ يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ} لأن الضلالة ومرض الشك والصمم عن الحق والعمى عن الآيات إذا اجتمع في شخص، فداعيهم إلى الهدى كانه يناديهم من مكان بعيد، كقوله تعالى: {وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ} [البقرة: ١٧١] أي: مثل داعي الذين كفروا، هذا هو التحقيق، ومن ثم قال: "وغن كان الأخفش تخيره"، أي: هذا الوجه ضعيف؛ لأن الدليل على ضعفه والمقام ينبو عنه، وقد منعه سيبويه، والمختار قوله، فإن القول ما قالت حذام.

<<  <  ج: ص:  >  >>