الضمير في (نَزَّلَهُ) للقرآن، ونحو هذا الإضمار- أعني إضمار ما لم يسبق ذكره- فيه فخامة لشأن صاحبه؛ حيث يجعل لفرط شهرته كأنه يدل على نفسه، ويكتفى عن اسمه الصريح بذكر شيء من صفاته. (عَلَى قَلْبِكَ) أي: حفظه إياك وفهمكه. (بِإِذْنِ اللَّهِ) بتيسيره وتسهيله. فإن قلت: كان حق الكلام أن يقال: على قلبي. قلت: جاءت على حكاية كلام الله كما تكلم به، كأنه قيل: قل: ما تكلمت به من قولي: من كان عدواً لجبريل فإنه نزَّله على قلبك. فإن قلت:
غير همزة: ابن كثير، و"جبريل" بوزن: قنديل: نافع وأبو عمرو وابن عامر وحفص، و"جبرئل" بحذف الياء: أبو بكر عن عاصم، والبواقي: شواذ.
قوله:(أي: حفظكه) ويروى: "حفظه إياك وفهمكه"، هذا تفسير لجملة قوله:(نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ)[البقرة: ٩٧] لمح فيه معنى الاستعلاء والاستيلاء، يعني: إذا نزل جبريل بالقرآن على قلبه استولى على القلب، وجعل مجامعه مغمورة به، وتمكن فيه، فلا يشذ منه شيء، ولهذا قال في "الشعراء": حفظكه وفهمك إياه، وأثبته في قلبك إثبات ما لا ينسى، كقوله تعالى:(سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنسَى)[الأعلى: ٦] وفي عكسه: نزلت عن الأمر. قال صاحب "النهاية": كأنك كنت مستعلياً عليه، ومستولياً فنزلت.