للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كيف استقام قوله: (فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ) جزاءً للشرط؟ قلت: فيه وجهان: أحدهما: إن عادى جبرئيل أحد من أهل الكتاب فلا وجه لمعاداته؛ حيث نزل كتاباً مصدقاً للكتب بين يديه، فلو أنصفوا لأحبوه وشكروا له صنيعه في إنزاله ما ينفعهم ويصحح المنزل عليهم. والثاني: إن عاداه أحد فالسبب في عداوته أنه نزل عليك الكتابة مصدقاً

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله: (كيف استقام قوله: (فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ) جزاءً للشرط؟ ) أي: من حق الجزاء أن يكون مسبباً عن الشرط، وقوله: (فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ) لا يستقيم أن يكون مسبباً عن قوله تعالى: (مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِجِبْرِيلَ) وخلاصة الجواب: أن الجزاء هنا ما دل بالإخبار والإعلام إنكاراً على اليهود، وبيانه من وجهين:

أحدهما: قوله: (فلا وجه لمعاداته) يعني: من كان من هؤلاء اليهود عدواً لجبريل، فإني أعلمكم أنه معاند مكابر، لا إنصاف له، فلا وجه لمعاداته لأنه نزله كتاباً مصدقاً لكتابه، وكان الواجب أن يتلقاه بالقبول، لكن ما أنصف، وهو المراد بقوله: "فلو أنصفوا لأحبوه"، ونظيره ما قرره ابن الحاجب في قوله تعالى: (وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنْ اللَّهِ) [النحل: ٥٣].

وثانيهما: قوله: (إن عاداه أحد فالسبب في عداوته أنه) نزله على قلبك، وهو نحو قولك: إن أكرمتني الآن فقد أكرمتك أمس، يعني: عداوته سبب لما أخبركم به، وهو أنه نزل على قلبك ما يكرهونه، يدل عليه قوله: "إن عاداك فلان، فقد آذيته" قالوا: في هذا الكلام وصف السبب في الجزاء؛ ألا ترى أنك تقول: من شكرني فأنا جواد سخي؟ فلا تأتي بالضمير، بل تشتغل بالسبب، وفيه ضمير معنى، كأنه قال: من كان عدواً لجبريل فله عذر من هذا السبب، ونظيره قوله تعالى: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً) [فاطر: ١٠] فلا ضمير في اللفظ، ولكنه ثابت معنى، أي: فليطلبها عندي، أو فليعتزز بالله، أو في مظانها.

<<  <  ج: ص:  >  >>