وقريب منه قوله تعالى:{وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ * لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ}[الروم: ٤٤ - ٤٥]، قال رحمه الله:"وتكرير {الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ}، وترك الضمير إلى الصريح؛ لتقرير أنه لا يفلح عنده إلا المؤمن الصالح، وقوله:{لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ} تقرير بعد تقرير على الطرد والعكس".
ويمكن أن يحمل كلام المصنف على هذا المعنى، وذلك أنه استشهد بقوله:{فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ}[فصلت: ٣٤]، وهو قد عقب قوله:{وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}[فصلت: ٣٤]، وقد ذكر أن الحسنة والسيئة متفاوتتان في أنفسهما، فخذ بالحسنة التي هي أحسن من أختها، ومثال ذلك: رجل أساء إليك إساءة، فالحسنة أن تعفو عنه، والتي هي أحسن أن تحسن إليه مكان إساءته إليك.
فإن قلت: فعلى هذا كيف يلتئم قوله: {ولَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلَئِكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيلٍ} بما قبله، فإنه تعالى رفع عنهم كل جرح وضيق بتنكير {سَبِيلٍ}؛ لشيوعه، فضلًا عن الظلم؟ قلت: تلك الآية واردة في شأن المظلوم، وإرشاد له إلى مكارم الأخلاق، وإيثار طريق المرسلين كما سبق، وهذه خطاب للولاة والحكام وتعليم فعل ما ينبغي فعله، بدليل قوله:{إنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ … أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}، حيث أعاد "السبيل" المنكر بالتعريف، وعلق به {يَظْلِمُونَ النَّاسَ}، وفسره بقوله:{عَذَابٌ أَلِيمٌ}.
ويعضده تفسير الإمام:"أي: ما عليهم من سبيل لعقوبة ومؤاخذة؛ لأنهم أتوا بما أبيح لهم من الانتصار، وفائدته: ما ذهب إليه الشافعي رضي الله عنه: أن سراية القود مهدرة؛ لأن الشرع أذن للمنتصر بالقطع، سواء سرى أو لم يسر".