فكان المسبوب يكظم، ويعرق فيمسح العرق، ثم قام فتلا هذه الآية، فقال الحسن: عقلها -والله- وفهمها إذ ضيعها الجاهلون. وقالوا: العفو مندوب إليه.
ثم الأمر قد ينعكس في بعض الأحوال، فيرجع ترك العفو مندوبًا إليه، وذلك إذا احتيج إلى كف زيادة البغي، وقطع مادة الأذى. وعن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل عليه، وهو أن زينب أسمعت عائشة بحضرته، وكان ينهاها فلا تنتهي،
عن أبي هريرة:"أن رجلًا شتم أبا بكر رضي الله عنه، والنبي صلى الله عليه وسلم جالس يتعجب ويبتسم، فلما أكثر رد عليه بعض قوله، فغضب النبي صلى الله عليه وسلم وقام، فلحقه أبو بكر رضي الله عنه، قال: يا رسول الله، كان يشتمني وأنت جالس، فلما رددت عليه بعض قوله غضبت وقمت؟ قال: إنه كان معك ملك يرد عليه، فلما رددت عليه وقع الشيطان، فلم أكن لأقعد مع الشيطان".
قوله:(عقلها والله) أي: عمل بها. الأساس:"عقل فلان بعد الصبا، أي: عرف الخطأ الذي كان عليه".
قوله:(وهو أن زينت أسمعت عائشة) رضي الله عنهما: روينا عن أبي داود عن ابن عون قال: قالت عائشة رضي الله عنها: "دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعندنا زينب بنت جحش، فجعل يصنع بيده شيئًا، فقلت بيدي حتى فطنته لها، فأمسك، وأقبلت زينب تقحم لعائشة، فنهاها، فأبت أن تنتهي، فقال لعائشة: سبيها. فسبتها، فغلبتها"، الحديث.
"أسمعت": أي: سبت، يقال: أسمع فلان فلانًا؛ إذا سبه، قال تعالى:{وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ}[النساء: ٤٦]؛ أي: غير مسبوب.