وذكر قسمة الأولاد، فقدم الإناث لأنّ سياق الكلام أنه فاعل ما يشاؤه، لا ما يشاؤه الإنسان، فكان ذكر الإناث اللاتي من جملة ما لا يشاؤه الإنسان أهم، والأهم واجب التقديم، وليلي الجنس الذي كانت العرب تعدّه بلاء ذكر البلاء، وأخر الذكور، فلما أخرهم لذلك تدارك تأخيرهم -وهم أحقاء بالتقديم- بتعريفهم، لأن التعريف تنويه وتشهير، كأنه قال: ويهب لمن يشاء الفرسان الأعلام المذكورين الذين لا يخفون عليكم، ثم أعطى بعد ذلك كلا الجنسين حقه من التقديم والتأخير، وعرّف أن تقديمهنّ لم يكن لتقدّمهنّ، ولكن لمقتض آخر، فقال:{ذُكْرانًا وَإِناثًا}، كما قال:{إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى}[الحجرات: ١٣]، {فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى}[القيامة: ٣٩].
وقيل: نزلت في الأنبياء صلوات الله عليهم وسلامه، حيث وهب لشعيب ولوط إناثًا، ولإبراهيم ذكورًا، ولمحمد ذكورًا وإناثًا، وجعل يحيى وعيسى عقيمين.
{إِنَّهُ عَلِيمٌ} بمصالح العباد، {قَدِيرٌ} على تكوين ما يصلحهم.
{وَما كانَ لِبَشَرٍ} وما صح لأحد من البشر، {أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا} على ثلاثة أوجه: إما على طريق الوحي، وهو الإلهام والقذف في القلب أو المنام،
يشاء، ثم ثلث بقوله:{يَهَبُ لِمَن يَشَاءُ}، فترقى من ذلك العام إلى ذكر الإناث، ثم إلى إفراد الذكور، ثم إلى جمعهما، فلا يدخل في الكلام إرادة الإنسان وكراهته.
وأما قوله:{ويَجْعَلُ مَن يَشَاءُ عَقِيمًا}: كالاستدراك وتتميم معنى الاستبداد، ولذلك غير العبارة إلى {ويَجْعَلُ مَن يَشَاءُ}، ثم ذيل الكل وعلله بقوله:{إنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ}؛ ليكون ذريعة إلى ذكر فضل من فضائل هذا النوع من المخلوق، ومنتهى كماله وغاية درجاته؛ {ومَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إلاَّ وحْيًا} ليؤذن بأن المقصود من الخلق: البث والدعوة إلى الله والتوجه إليه والعبادة له، وختم السورة بذكر أفضلهم وأكملهم وأشرفهم صلوات الله عليه وعليهم أجمعين.
قوله:(إما على طريق الوحي، وهو الإلهام): الراغب: "أصل الوحي: الإشارة السريعة،