فإن قلت: إنه فاعل ما يشاؤه، وقد شاء تقديم الإناث. قلت: شاء لحكمة أولا لحكمة؟ فإن كان الثاني سقط أصل سؤال حكمة تقديم الإناث، وإن كان الأول كفت تلك الحكمة لتقديم الإناث، بدون هذا التطويل والتحمل. والأولى أن يقال: قدم الإناث توصية برعايتهن لضعفهن، لاسيما وقد كانوا قريبي العهد بالوأد.
وقال الزجاج:"ويجعل ما يهبه من الولد ذكرانًا وإناثًا، أي: يقرنهم، وكل شيئين يقترن أحدهما بالآخر فهما زوجان"، فالتقدير:{يَهَبُ لِمَن يَشَاءُ إنَاثًا} يعني: البنات ليس معهن ذكر، {ويَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذُّكُورَ} يعني: البنين ليس معهم أنثى، {أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وإنَاثًا} أي: يولد لرجل ذكور وإناث، {ويَجْعَلُ مَن يَشَاءُ عَقِيمًا} لا ولد له.
وقال القاضي:" {يَهَبُ لِمَن يَشَاءُ} بدل من {يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ} بدل البعض من الكل، والمعنى: يجعل أحوال العباد في الأولاد مختلفة على مقتضى المشيئة، يهب لبعض إما صنفًا واحدًا ذكرًا أو أنثى، أو الصنفين معًا، ويعقم آخرين، ولعل تقديم الإناث لأنها أكثر لتكثير النسل، أو لتطييب قلوب آبائهن، أو المحافظة على الفواصل، ولذلك عرف الذكور"، وذكر الوجهين اللذين في "الكشاف" أيضًا.
وقلت: أما قضية النظم: فإن قوله: {ِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ والأَرْض} وارد على نمط الآيات السابقة، وهي:{وهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ}[الشورى: ٢٥]، {وهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الغَيْثَ}[الشورى: ٢٨]، {ومِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ والأَرْضِ ومَا بَثَّ فِيهِمَا مِن دَابَّةٍ}[الشورى: ٣٠]، ولما ذكر بث الحيوان، وأراد أن يبين كيفية البث قدم استبداده بالملك، واستقلاله بالملكوت، ثم ثنى بأنه خالق لما يشاء، فاعل لما يريد، له التصرف في ملكه ما يشاء كيف