من غير أن يبصر السامع من يكلمه، لأنه في ذاته غير مرئي، وقوله:{مِنْ وَراءِ حِجابٍ}: مثل، أي: كما يكلم الملك المحتجب بعض خواصه، وهو من وراء الحجاب، فيسمع صوته ولا يرى شخصه، وذلك كما كلم موسى ويكلم الملائكة.
وإما على أن يرسل إليه رسولًا من الملائكة، فيوحي الملك إليه، كما كلم الأنبياء غير موسى. وقيل: وحيًا كما أوحى إلى الرسل بواسطة الملائكة.
{أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا} أي: نبيًا، كما كلم أمم الأنبياء على ألسنتهم.
و{وَحْيًا} و"أن يرسل": مصدران واقعان موقع الحال، لأنّ "أن يرسل" في معنى: إرسالًا. و {مِن وَرَاءِ حِجَابٍ}: ظرف واقع موقع الحال أيضًا -كقوله:{وَعَلى جُنُوبِهِمْ}[آل عمران: ١٩١] والتقدير: وما صح أن يكلم أحدًا إلا موحيًا، أو مسمعًا من وراء حجاب، أو مرسلًا.
كلام الله قديم، سمعه موسى، وسمعه نبينا صلوات الله عليهما، والحجاب المذكور باعتبار المخلوق لا باعتبار الخالق، ويستنبط من هذه الآية أن من حلف ألا يكلم فلانًا، فراسله حنث؛ لاستثنائه تعالى الإرسال من الكلام".
وقال القاضي: "معنى: {إلاَّ وحْيًا}: كلامًا خفيفًا يدرك بسرعة، ليس في ذاته مركبًا من حروف مقطعة تتوقف على تموجات متعاقبة، وهو أعم من المشافهة، كما روى في حديث المعراج، وكما اتفق لموسى عليه السلام في الطور، وقي قوله:{أَوْ مِن ورَاءِ حِجَابٍ} دليل على جواز الرؤية، لا على امتناعها".
قوله:(والتقدير: وما صح أن يكلم أحدًا إلا موحيًا، أو مسمعًا من وراء حجاب، أو مرسلًا): ها هنا سؤالان: أحدهما: أن قضية الترقي من الأدنى إلى الأعلى أن يكون قوله: {أَوْ