للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ويجوز أن يكون {وَحْيًا}، موضوعًا موضع: كلامًا، لأنّ الوحي كلام خفي في سرعة، كما تقول: لا أكلمه إلا جهرًا وإلا خفاتًا، لأنّ الجهر والخفات ضربان من الكلام، وكذلك "إرسالًا"، جعل الكلام على لسان الرسول بمنزلة الكلام بغير واسطة، تقول: قلت لفلان كذا، وإنما قاله وكيلك أو رسولك. وقوله: {أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ} معناه: أو إسماعًا من وراء حجاب.

ومن جعل {وَحْيًا} في معنى: أن يوحي، وعطف {يُرْسِلَ} عليه،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مِن ورَاءِ حِجَابٍ} مؤخرًا عن قوله: {أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا}، لأن المكالمة والرؤيا حصلت من وراء حجاب، وإنه أرفع منزلة من المراسلة، ولذلك مدح موسى عليه السلام بقوله: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء: ١٦٤]، وسماه "كليمًا". وثانيهما: ما فائدة تغيير العبارات؟

وقلت -والعلم عند الله-: يمكن أن يقال: إنه لو حمل الوحي على ما قاله القاضي: " {إلاَّ وحْيًا}: كلامًا خفيًا ليس في ذاته مركبًا من حروف مقطعة، كما روي في حديث المعراج، وهو المشافهة"، المعني بقوله: {فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى} [النجم: ٩]، لحصل منه التنزل، ولظهر منه الرمز في تقليل العبارات وخفي التلويحات، مرتبة غب مرتبة، بحسب قلة الوسائط وكثرتها، وما اجتمعت تلك المراتب الثلاث إلا لسيدنا صلوات الله عليه، حيث قال: {وكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا} الآية. والله أعلم بأسرار كلامه.

قوله: (ومن جعل {وَحْيًا} في معنى: أن يوحي): قال الزجاج: "قال سيبويه: سألت الخليل عن قوله: {أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا} بالنصب؟ فقال: هو محمول على أن سوى في هذه التي في قوله: {أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ}، لما يلزم منه أن يقال: ما كان لبشر أن يرسل الله رسولًا، وذلك غير جائز، والمعنى: ما كان لبشر أن يكلمه الله إلا بأن يوحي أو أن يرسل، ويجوز الرفع في

?

<<  <  ج: ص:  >  >>