كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجد ويجتهد ويكدّ روحه في دعاء قومه، وهم لا يزيدون على دعائه إلا تصميمًا على الكفر وتماديًا في الغيّ، فأنكر عليه بقوله:{أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ} إنكار تعجيب من أن يكون هو الذي يقدر على هدايتهم، وأراد: أنه لا يقدر على ذلك منهم إلا هو وحده على سبيل الإلجاء والقسر، كقوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشاءُ وَما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ}[فاطر: ٢٢].
«ما» في قوله: {فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ} بمنزلة لام القسم؛ في أنها إذا دخلت دخلت معها النون المؤكدة، والمعنى: فإن قبضناك قبل أن ننصرك عليهم ونشفي صدور المؤمنين منهم، {فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ} أشد الانتقام في الآخرة، كقوله تعالى:{أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ}[غافر: ٧٧]، وإن أردنا أن ننجز في حياتك ما وعدناهم من العذاب النازل بهم -وهو يوم بدر- فهم تحت ملكتنا وقدرتنا لا يفوتوننا.
وصفهم بشدة الشكيمة في الكفر والضلال، ثم أتبعه شدة الوعيد بعذاب الدنيا والآخرة.
وقرئ:"نرينك" بالنون الخفيفة. وقرئ:"بالذي أوحى إليك" على البناء للفاعل، وهو الله عز وجل، والمعنى: وسواء عجلنا لك الظفر والغلبة أو أخرنا إلى اليوم الآخر، فكن متمسكًا بماأوحينا إليك وبالعمل به،