فإن قلت: إذا جاءتهم آية واحدة من جملة التسع، فما أختها التي فضلت عليها في الكبر من بقية الآيات؟ قلت: أختها التي هي آية مثلها، وهذه صفة كل واحدة منها، فكان المعنى على أنها أكبر من بقية الآيات على سبيل التفصيل والاستقراء واحدة بعد واحدة، كما تقول: هو أفضل رجل رأيته؛ تريد تفضيله على أمة الرجال الذين رأيتهم إذا قروتهم رجلًا رجلًا.
فإن قلت: هو كلام متناقض، لأنّ معناه: ما من آية من التسع إلا هي أكبر من كل واحدة منها، فتكون واحدة منها فاضلة ومفضولة في حالة واحدة؟ قلت: الغرض بهذا الكلام أنهنّ موصوفات بالكبر، لا يكدن يتفاوتن فيه، وكذلك العادة في الأشياء التي تتلاقى في الفضل، وتتقارت منازلها فيه التقارت اليسير: أن تختلف آراء الناس في تفضيلها، فيفضل بعضهم هذا، وبعضهم ذاك، فعلى ذلك بنى الناس كلامهم فقالوا: رأيت رجالًا بعضهم أفضل من بعض،
قوله:(تريد تفضيله على أمه الرجال): يعني: من حق "أفعل" التفصيل هنا، أن يكون المفصل عليه أعم منه، لأن الآيات تسع، فينبغي أن يقال: وما من آية إلا وهي أكبر من بقية الآيات، وفي الآية:{أُخْتَهَا}: مثل، وكذا في المثال، فيحمل على استغراق الجنس ليتناول فردًا فردًا منه.
قوله:(إذا قروتهم رجلًا رجلًا): الجوهري: "قروت البلاد قروًا، وقريتها، واقتريتها، واستقريتها: إذا تتبعتها؛ تخرج من أرض إلى أرض".
قوله:(الفرض بهذا الكلام أنهن موصوفات بالكبر، لا يكدن يتفاوتن فيه): يعني: "أفعل" محمول على الزيادة مطلقًا رومًا للمبالغة، كقوله تعالى:{هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ}[النجم: ٣٣]، فـ {أَعْلَمُ} يعني: عالم؛ إذا لا مشاركة لله تعالى في علمه بذلك، وسبق بيان ذلك في سورة "الزمر" مستقصى.