قلت: قولهم: {إِنَّنا لَمُهْتَدُونَ} وعد منوي إخلافه، وعهد معزوم على نكثه، معلق بشرط أن يدعو لهم وينكشف عنهم العذاب، ألا ترى إلى قوله تعالى:{فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ}، فما كانت تسميتهم إياه بالساحر بمنافية لقولهم:{إِنَّنا لَمُهْتَدُونَ}. وقيل: كانوا يقولون للعالم الماهر: ساحر؛ لاستعظامهم علم السحر.
{بِما عَهِدَ عِنْدَكَ} بعهده عندك من أن دعوتك مستجابة،
بقوله:{إنَّنَا لَمُهْتَدُونَ} إعلام بأنه هاد مهتد، وأجاب: بأن قولهم: {إنَّنَا لَمُهْتَدُونَ} تعليق مخالف لما في الضمائر، وقال القاضي:"نادوه بالساحر في تلك الحال لشدة شكيمتهم، وفرط حماقتهم"، ويمكن أن يقال: أن هذا المقام تضرع وابتهال، بدليل قوله:{فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ العَذَابَ}، فينبغي أن يقولوا: يا موسى، كما في نظيرتها، لكنهم من إفراط حيرتهم ودهشتهم سبق لسانهم إلى ما تعودوه وألفوا به من تسميتهم بالساحر، ونظير هذه الآية قوله تعالى:{وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُوا يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ * فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُمْ بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ}[الأعراف: ١٣٤ - ١٣٥].
قوله:({بِمَا عَهِدَ عِندَكَ} أي: بعهده عندك): أي: ادع الله بسبب أنك مستجاب الدعوة، لأن الله تعالى عهد لك أن يجيب دعوتك، أو بحق ما عندك من عهد الله وكرامتك بالنبوة، أو بحق الإيمان والطاعة، أو بسبب ما عهده الله من كشف العذاب لمن آمن، قال الزجاج:" {بِمَا عَهِدَ عِندَكَ} فيمن آمن به من كشف العذاب عنه، يدل عليه قوله:{فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ العَذَابَ إذَا هُمْ يَنكُثُونَ} ".