للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وهذا الوجه وارد على القياس المبني على أصل فاسد، وذلك أن النصارى ما عبدوا عيسى عليه السلام عن علم ودليل، بل عبدوه لأنه وجد من غير أب، ولو نشاء أيتها الكفرة ولدنا منكم، كما ولد عيسى من غير أب، ولو نشاء لجعلنا منكم ملائكة، يعني: أن حال عيسى وإن كانت عجيبة، فالله تعالى قادر على ما هو أعجب من ذلك، وأن الملائكة منكم، من حيث إنها مخلوقة، فيحتمل أن يخلقوا توليدًا، كما جاز خلقها إبداعًا، فمن أين لهم استحقاق الألوهية، والانتساب إلى الله تعالى؟ !

وإنما فسر {لَجَعَلْنَا مِنكُم} بقوله: "لولدنا"؛ لوقوعه مقابلًا لقوله: {وجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِّبَنِي إسْرَائِيلَ}، ومعناه: وخلقناه من غير سبب، وصيرناه عجيبةً كالمثل السائر.

فإن قلت: ذكر في "المعالم": "أن المعنى: لو نشاء لأهلكناكم، وجعلنا بدلكم ملائكةً خلفًا منكم، يعمرون الأرض ويعبدونني، وقيل: يخلف بعضهم بعضًا"، وقال أبو البقاء: "لحولنا بعضكم ملائكة"، فلم عدل المصنف عن البدلية إلى ما ذكر؟ قلت: لأن المقام له أدعى، وأن التبديل دل على التوعد بالهلاك والاستئصال، وهو لا يدخل في المعنى، إذ المعنى: أن هو إلا عبد أنعمنا عليه، وجعلناه عبرةً عجيبة، ولو شئنا لجعلنا منكم أيضًا عبرةً عجيبة، دلالةً على قدرتنا على عجائب الأمور، وبدائع الفطر، والله أعلم.

فإن قلت: قد علم في الوجهين الآخرين تنزيل الجواب، وهو قوله: {إنْ هُوَ إلاَّ عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ} الآية، على قولهم: {أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ}، فما وجه التنزيل على الوجه الأول، وهو أن يكون الحامل على هذا القول قوله تعالى: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ} [الأنبياء: ٩٨]؟

?

<<  <  ج: ص:  >  >>