للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ومعذبًا عليه عذابًا سرمدًا، فأنا أول من يقول: هو شيطان وليس بإله. فمعنى هذا الكلام وما وضع له أسلوبه ونظمه: نفي أن يكون الله تعالى خالقًا للكفر، وتنزيهه عن ذلك وتقديسه، ولكن على طريق المبالغة فيه من الوجه الذي ذكرنا، مع الدلالة على سماجة المذهب، وضلالة الذاهب إليه، والشهادة القاطعة بإحالته، والإفصاح عن نفسه بالبراءة منه، وغاية النفار والاشمئزاز من ارتكابه.

ونحو هذه الطريقة قول سعيد بن جبير رحمه الله للحجاج -حين قال له-: أما والله لأبدلنك بالدنيا نارًا تلظى-: لو عرفت أن ذلك إليك ما عبدت إلهًا غيرك.

وقد تمحل الناس بما أخرجوه به من هذا الأسلوب الشريف المليء بالنكت والفوائد المستقل بإثبات التوحيد على أبلغ وجوهه، فقيل: إن كان للرحمن ولد في زعمكم، وقيل: إن كان للرحمن ولد في زعمكم، فأنا أول الآنفين من أن يكون له ولد؛

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وكذلك قول سعيد جبير للحجاج، قال القاضي: " {إن كَانَ لِلرَّحْمَنِ ولَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ العَابِدِينَ} أي: منكم، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أعلم بالله، وبما يصح له، وما لا يصح له، وأولى بتعظيم ما يجب تعظيمه، ومن تعظيم الوالد تعظيم الولد، ولا يلزم صحة ثبوت الولد؛ إذ المحال يستلزم المحال، والمراد نفيه على أبلغ الوجوه، كقوله تعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آَلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا}، غير أن "لو" ثم تشعر بانتفاء الطرفين، و "إن" هاهنا لا تشعر بانتفاء الطرفين ولا بنقيضه، فإنها لمجرد الشرطية، وفيه: أن إنكاره للولد ليس لعناد، بل لنظر واستدلال".

قوله: (وقيل: أن كان للرحمن ولد في زعمكم، فأنا أول الآنفين من أن يكون له ولد): المثال أقرب إلى المثال الذي ذكره، وبنى قاعدة الاعتزال عليه من الوجه الأول، فصح. المثال اللائق هو ما قدرناه: أن كان الله خالقًا للكفر، فأنا أول من أستجير به.

<<  <  ج: ص:  >  >>