فإن قلت: كيف استثنيت الموتة الأولى المذوقة قبل دخول الجنة، من الموت المنفي ذوقه فيها؟ قلت: أريد أن يقال: لا يذوقون فيها الموت البتة، فوضع قوله:{إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولى} موضع ذلك، لأن الموتة الماضية محال ذوقها في المستقبل، فهو من باب التعليق بالمحال، كأنه قيل: إن كانت الموتة الأولى يستقيم ذوقها في المستقبل فإنهم يذوقونها.
وقرئ:"ووقاهم" بالتشديد.
{فَضْلًا مِنْ رَبِّكَ} عطاء من ربك وثوابًا، يعني: كل ما أعطى المتقين من نعيم الجنة والنجاة من النار. وقرئ: فضل، أي: ذلك فضل.
قوله:(أريد أن يقال: لا يذوقون فيها الموت البتة): الانتصاف: هذا مبني على أن {الْمَوْتَةَ} بدل؛ على طريقة بني تميم الذين يجوزون البدل من غير الجنس، والحجازيون ينصبونه بالاستثناء المنقطع، وسر اللغة التميمية في قولهم: ما في الدار أحد إلا حمار، أي: أن كان الحمار من الأحد، ففيها أحد، وبه فسر الزمخشري قوله تعالى:{قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ}[النمل: ٦٥] ".
قوله:(فهو من باب التعليق بالمحال): نظيره: قوله تعالى: {وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آَبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ}[النساء: ٢٢]، نظيره: أن يستسقي أحد، فتقول: لا أسقيك إلا الجمر، والجمر لا يسقى. فمعناه: أن كان الجمر شيئًا يسقى فإنما أسقيكه.
قوله:({فَإنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ} فذلكة للسورة)، إلى آخره، يعني: هو إجمال بعد تفصيل.