{فَلِلَّهِ الْحَمْدُ} فاحمدوا الله لذي هو ربكم ورب كل شيء من السماوات والأرض والعالمين، فان مثل هذه الربوبية العامة توجب الحمد والثناء على كل مربوب، وكبروه، فقد ظهرت آثار كبريائه وعظمته {فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ}، وحق مثله أن يكبر ويعظم.
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:«من قرأ حم الجاثية ستر الله عورته، وسكن روعته يوم الحساب».
ونحوه:"نهاره صائم"؛ أسند "الصوم" إلى "النهار" للزومه فيها، ولإيجاب المصير إلى الله ولقائه- كما قال:{إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا}[يونس: ٧]، ولا يقع ذلك إلا في ذلك اليوم- جعل "اليوم" بنفسه لاقيًا، يعني: أن الاشتغال باللذات والانهماك في الشهوات أذهلكم وألهتكم عن تذكر العاقبة، وسلط عليكم نسيانها، فيكون قوله:{إِنَّا نَسِينَاكُمْ} واردًا على المشاكلة، وإن تقدم على صاحبه، يعني: جازيناكم جزاء نسيانكم، والله أعلم.
قوله:(فإن مثل هذه الربوبية العامة توجب الحمد والثناء على كل مربوب): اعتبر فيه عموم الحمد وعموم الوصف وعموم الحامد، وذلك من ترتب قوله:{فَلِلَّهِ الحَمْدُ} على قوله: {رَبِّ السَّمَوَاتِ ورَبِّ الأَرْضِ رَبِّ العَالَمِينَ}، وتكرير الوصف وتعانقه بكل من المذكورات بحسب ما يقتضيه الوصف من معنى المالكية والتربية، وما يوجب على المربوبين من النداء بالثناء نطقًا وحالًا.
وتحريره: أن "الحمد" مطلقًا: هو الثناء على الجميل من نعمة وغيرها من الفضائل والكمالات، وهذا المقام يوجبه؛ فإن المربوب عام في العقلاء وغير العقلاء، وفيضان معنى الربوبية على قدر قابلية كل منهم ظاهر، وشهادة كل منهم على حسب استعداده معلوم مكشوف، {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ}[الإسراء: ٤٤].