فإن قلت: أخبرني عن نظم هذا الكلام لأقف على معناه من جهة النظم. قلت: الواو الأولى عاطفة لـ"كفرتم" على فعل الشرط، كما عطفته "ثُمَّ" في قوله: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ}[فصلت: ٥٢]، وكذلك الواو الآخرة عاطفة لـ"استكبرتم" على "شهد شاهد"، وأما الواو في {وَشَهِدَ} فقد عطفت جملة قوله: {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ}، على جملة قوله:{كانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ}، ونظيره قولك:"إن أحسنت إليك وأسأت،
ويقع قوله:{القَوْمَ الظَّالِمِينَ} في محزه، لأنه من وضع العام موضع المضمر؛ للإيذان بأنهم وضعوا الاستكبار موضع الإذعان للحق بعد وضوح البينات.
قال الواحدي: "معنى {إنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي القَوْمَ الظَّالِمِينَ}: أن الله جعل جزاء المعاندين للإيمان بعد الوضوح والبيان أن يمدهم في ضلالتهم، ويحرمهم الهداية"، والله أعلم.
قوله: (الواو الأولى عاطفة لـ"كفرتم" على فعل الشرط) إلى آخره: الانتصاف: "لم يوجه المعطوفات على جهة واحدة، لأنه قد يكون العطف لمجموع مفردات على مجموع مفردات للتقابل بين المفردات، ومنه:{وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ * وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ}[فاطر: ١٩ - ٢٠]، وقوله:{إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ}[الأحزاب: ٣٥]".
وقوله:(ونظيره قولك: أن أحسنت إليك): فقوله: {إن كَانَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وكَفَرْتُم} نظير قوله: "إن أحسنت إليك وأسأت"، فآذن بأن كونه من عند الله إحسان وإنعام يوجب استقباله بالشكر التام، فعكسوا وكفروا به، وقوله:{وشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ بَنِي إسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ واسْتَكْبَرْتُمْ} نظير قوله: "وأقبلت عليك وأعرضت"، فإن شهادة عبد الله بن سلام الموجبة لإيمانه: إقبال