فإن قلت: بم تعلق {بِالْحَقِّ}؟ قلت: إمّا بـ {صَدَقَ}، أي: صدقه فيما رأى، وفي كونه وحصوله صدقًا ملتبسًا بالحق، أي: بالغرض الصحيح والحكمة البالغة، وذلك ما فيه من الابتلاء والتمييز بين المؤمن المخلص، وبين من في قلبه مرض. ويجوز أن يتعلق بـ {الرُّؤْيَا} حالًا منها، أي: صدقه الرؤيا ملتبسًا بالحق، على معنى: أنها لم تكن من أضغاث الأحلام. ويجوز أن يكون {بِالْحَقِّ} قسمًا؛ إمّا بالحق الذي هو نقيض الباطل، أو بالحق الذي هو من أسمائه، و {لَتَدْخُلُنَّ}: جوابه، وعلى الأوّل: هو جواب قسم محذوف.
فإن قلت: ما وجه دخول {إِنْ شاءَ اللَّهُ} في أخبار الله عز وجل؟ قلت: فيه وجوه: أن يعلق عدته بالمشيئة تعليمًا لعباده أن يقولوا في عداتهم مثل ذلك، متأدّبين بأدب الله، ومقتدين بسنته، وأن يريد: لتدخلنّ جميعًا إن شاء الله ولم يمت منكم أحدًا، أو كان ذلك على لسان ملك، فأدخل الملك: إن شاء الله، أو هي حكاية ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه، وقصّ عليهم. وقيل: هو متعلق بـ {آمِنِينَ}.
قوله:(فيه وجوه): تلخيصها: أن قوله: {إن شَاءَ اللَّهُ}: إما من كلام الله عز وجل، أو من كلام الملك عليه السلام، أو الرسول صلى الله عليه وسلم.
وعلى أن يكون من كلام الله تعالى فهو: إما متعلق بـ {لَتَدْخُلُنَّ} أو بـ {آمِنِينَ}، وإذا كان الأول فإيراده: إما للتعليم أو للتبرك، وإما أن المراد: لتدخلن جميعًا، وإذا تعلق بـ {آمِنِينَ} كان المعنى ما ذكره في قوله: {ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آَمِنِينَ}[يوسف: ٩٩]: "أسلموا وآمنوا في دخولكم أن شاء الله، والتقدير: ادخلوا مصر آمنين أن شاء الله دخلتم".
وعلى أن يكون من كلام الملك: فإنه لما ألقى كلام الله على النبي صلى الله عليه وسلم ألقى هذه الكلمةمن تلقاء نفسه تبركًا.
وعلى أن يكون من كلام الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه: فإنه صلوات الله عليه لما قص الرؤيا على أصحابه أتى بتأويلها مؤكدًا بالقسمية، لأن رؤيا الأنبياء وحي، ثم إنه تعالى لما ذكر {لَقَدْ