واختصه هذا الاختصاص القوي، كان أدنى ما يجب له من التهيب والإجلال أن يخفض بين يديه الصوت، ويخافت لديه بالكلام. وقيل: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تهامة سرية سبعة وعشرين رجلًا، وعليهم المنذر بن عمرو الساعدي، فقتلهم بنو عامر، وعليهم عامر بن الطفيل، إلا ثلاثة نفر نجوا، فلقوا رجلين من بني سليم قرب المدينة، فاعتزيا لهم إلى بني عامر، لأنهم أعز من بني سليم، فقتلوهما وسلبوهما، ثم أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:«بئسما صنعتم، كانا من سليم، والسلب ما كسوتهما»، فوداهما رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونزلت. أي: لا تعملوا شيئًا من ذات أنفسكم حتى تستأمروا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وعن مسروق: دخلت على عائشة في اليوم الذي يشك فيه، فقالت للجارية: اسقه عسلًا، فقلت: إني صائم، فقالت: قد نهى الله عن صوم هذا اليوم، وفيه نزلت.
قوله:(فاعتزيا لهم إلى بني عامر): يعني: أنهما انتسبا إلى بني عامر حين سئلا عن نسبهما، وظنا أن به النجاة، لأن بني عامر كانوا اعز من بني سليم.
قوله:(والسلب ما كسوتهما): أي: ما سلبتم عنهما من الثبات كان لي، أنا كسوتهما، وكانت هذه الخلعة أمارة على الإسلام.
قوله:(فوداهما): أي: أعطى ديتهما.
قوله:(وفيه نزلت): من تمام كلام عائشة رضي الله عنهما، وفي "المعالم": "روى مسروق عن عائشة: أنه في النهي عن يوم الشك، أي: لا تصوموا قبل أن يصوم نبيكم".
ومسروق: ذكره صاحب"الجامع" في عداد التابعين، وقال:"هو مسروق بن الأجدع بن مالك الهمداني الكوفي، أسلم قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وأدرك الصدر الأول من الصحابة، وكان خصيصًا بابن مسعود، روى عنه الكثير، وكانت عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها تبنت مسروقًا، ومات بالكوفة سنة اثنتين وستين".