وأمّا ما يروى عن الحسن: أنها نزلت فيمن كان يرفع صوته من المنافقين فوق صوت رسول الله صلى الله عليه وسلم: فمحمله -والخطاب للمؤمنين- على أن ينهى المؤمنون ليندرج المنافقون تحت النهي؛ ليكون الأمر أغلظ عليهم وأشق.
وقيل: كان المنافقون يرفعون أصواتهم ليظهروا قلة مبالاتهم، فيقتدي بهم ضعفة المسلمين.
وكاف التشبيه في محل النصب، أي: لا تجهروا له جهرًا مثل جهر بعضكم لبعض. وفي هذا: أنهم لم ينهوا عن الجهر مطلقًا، حتى لا يسوغ لهم أن يكلموه إلا بالهمس والمخافتة، وإنما نهوا عن جهر مخصوص مقيد بصفة، أعني: الجهر المنعوت بمماثلة ما قد اعتادوه منهم فيما بينهم، وهو الخلو من مراعاة أبهة النبوّة وجلالة مقدارها، وانحطاط سائر الرتب، وإن جلت عن رتبتها.
قوله:(ليكون الأمر أغلظ): وذلك من إفادة التعريض التوبيخي، كأنهم ليسوا ممن يستحقون المخاطبة، لأنهم بعداء مطرودين تحقيرًا بشأنهم، وازدراء بحالهم، كقوله تعالى لعيس عليه السلام:{أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ}[المائدة: ١١٦].
قوله:(بمماثلة ما قد اعتادوه منه): الضمير في "اعتادوه" عائد إلى "ما"، و"منه" بيان، والضمير فيه للجهر، أي: الجهر المشابه لما اعتادوه فيما بينهم.
قوله:(وهو الخلو من مراعاة ابهة النبوة وجلالة مقدارها): نظر إلى تخصيص ذكر "النبي" في قوله: {لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ}. انظر - أيها المتأمل - في استقرار هذه