{أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ} منصوب الموضع، على أنه مفعول له، وفي متعلقه وجهان: أحدهما: أن يتعلق بمعنى النهي، فيكون المعنى: انتهوا عما نهيتم عنه لحبوط أعمالكم، أي: لخشية حبوطها، على تقدير حذف المضاف، كقوله تعالى:{يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا}[النساء: ١٧٦]. والثاني: أن يتعلق بنفس الفعل، ويكون المعنى: أنهم نهوا عن الفعل الذي فعلوه لأجل الحبوط، لأنه لما كان بصدد الأداء إلى الحبوط، جعل كأنه فعل لأجله، وكأنه العلة والسبب في إيجاده على سبيل التمثيل، كقوله تعالى:{لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا}[القصص: ٨].
الكلمة في مقام التبجيل والتعظيم، ثم انظر إلى لفظ" رسوله" في قوله: {لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ ورَسُولِهِ} في مقام الاحتذاء على أمثلة الكتاب والسنة؛ لتقف على سر قوله صلى الله عليه وسلم:"لا، والنبي الذي أرسلت"، فيما رويناه في "صحيح البخاري" عن البراء بن عازب قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة، ثم اضطجع على شقك الأيمن، ثم قل: اللهم أسلمت نفسي إليك، وفوضت أمري إليك، وألجأت ظهري إليك، رغبة ورهبة إليك، لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك، اللهم آمنت بكتابك الذي أنزلت، ونبيك الذي أرسلت، فإن مت من ليلتك فأنت على الفطرة، واجعلهن آخر ما تتكلم به"، قال: فرددتها على النبي صلى الله عليه وسلم، فلما بلغت:"آمنت بكتابك الذي أنزلت، ونبيك الذي أرسلت"، قلت:"ورسولك"، قال:"لا، ونبيك الذي أرسلت".
النهاية:"إنما رد عليه ليختلف اللفظان، ويجمع له الثنائين؛ معني النبوة والرسالة، ويكون تعديدًا للنعمة في الحالتين، وتعظيمًا للمنة على الوجهين. والرسول أخص من النبي، لأن كل رسول نبي، وليس كل نبي رسولًا، وقيل: النبي: مشتق من النباوة، وهو الشيء المرتفع".
وقلت: هذا المعنى أنسب فيما نحن بصدده، والله أعلم.
قوله:(على سبيل التثميل): أي: تشبيه الحال بالحال، فإن فعلهم لما أدى إلى الحبوط، فكأنهم قصدوا لأجله، كقوله تعالى:{لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا}[القصص: ٨]، وقوله:"لأجل الحبوط" متعلق بقوله: "فعلوه"، أي: فعلوا رفع الصوت لأجل الحبوط.