للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقيل: معناه لا يعب بعضكم بعضًا، لأنّ المؤمنين كنفس واحدة، فمتى عاب المؤمن المؤمن فكأنما عاب نفسه. وقيل: معناه: لا تفعلوا ما تلمزون به، لأن من فعل ما استحق به اللمز، فقد لمز نفسه حقيقة.

والتنابز بالألقاب: التداعي بها؛ تفاعل من: نبزه، وبنو فلان يتنابزون ويتنازبون، ويقال: النبز والنزب: لقب السوء، والتلقيب المنهي عنه، وهو ما يتداخل المدعوّ به كراهة؛ لكونه تقصيرًا به وذمًّا له وشينًا، فأما ما يحبه مما يزينه وينوّه به فلا بأس به.

روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: «من حق المؤمن على أخيه: أن يسميه بأحب أسمائه إليه». .....

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله: (وقيل: معناه: لا تفعلوا): هو مع ما عطف عليه: عطف على قوله: "وخصوا أنفسكم_ أيها المؤمنون_ بالانتهاء"، فقوله: "أنفسكم": المراد: جنسكم، ومن هو على صفتكم في الإيمان، قال في سورة النساء عند قوله: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [النساء: ٢٩]: "من كان من جنسكم من المؤمنين" فإن دليل الخطاب على معنى الاختصاص، وأن من لم يتصف بصفة الإيمان خارج من هذا الحكم، ولهذا قال: "خصوا أنفسكم_ أيها المؤمنون_ بالانتهاء"، وأتى بحديث الحجاج، ويعضده قوله: {بِئْسَ الاسْمُ الفُسُوقُ بَعْدَ الإيمَانِ}، ومعناه كما قال: "استقباح الجمع بين الإيمان وبين الفسق الذي يأباه الإيمان".

وعلى الوجه الثاني: المراد من ذكر "النفس": شدة الاتصال، والإيذان بأن المؤمنين لعلقة الاتحاد في الإيمان كأنهم نفس واحدة، فمن نبز أخاه فقد نبز نفسه. وعلى الثالث: هو من إطلاق المسبب على السبب، يعني: لا تتصفوا بما أن سمع بكم سامع عابكم بسببه.

والوجه الأول فيه تعسف وترخص في غيبة الفاسق، ولذلك غلب محمد بن سيرين الحسن، والوجه الثاني أوجه لموافقته: {لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ}، وقوله: {إنَّمَا المُؤْمِنُونَ إخْوَةٌ}، وبقوله: {ولا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا}.

قوله: (روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: "من حق المؤمن على أخيه أن يسميه بأحب أسمائه إليه"):

<<  <  ج: ص:  >  >>